قوله تعالى: { فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } في جواب " إذا " أوجه: أحدها: قوله: { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } ، نحو: " إذا جاءك بنو تميمٍ، فأما العاصي فأهنه، وأمَّا الطائع فأكرمه ". وقيل: محذوف. فقدَّرهُ الزمخشريُّ: فإن الأمر كذلك، أي: فإنَّ الجحيمَ مأواهُ. وقدَّره غيرهُ: انقسم الرَّاءون قسمين. وقيل: عاينُوا أو علموا. وقيل: جوابها أدخل أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة. وقال أبو البقاء: العامل فيها جوابها، وهو معنى قوله تعالى: { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ }. والطَّامةُ الكبرى: الدَّاهيَة العُظمَى التي تطمّ على غيرها من الدَّواهي لعظمها، و " الطَّمُّ ": " الدفن " ، ومنه: طمَّ السَّيلُ الرَّكية، وفي المثل: جَرَى الوادِي فطمَّ على القُرَى. وقيل: مأخوذٌ من قولهم: طمَّ الفرس طميماً، إذا استفرغ جهده في الجري، والمراد بها في القرآن: النَّفخة الثانية؛ لأن بها يحصل ذلك. قال ابن عباس: هي النَّفخةُ الثانية التي يكون معها البعث. وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أيضاً، والضحاك: أنَّها القيامة، سميت بذلك؛ لأنَّها تطمُّ على كل شيء فتغمره. وقال القاسمُ بنُ الوليد الهمداني: الطامةُ الكبرى حين يساق أهل الجنَّة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار. قوله: { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ } بدل من " إذا " ، أو: منصوباًَ بإضمار فعلٍ، أي: أعني: يوم أو يوم يتذكر كيت وكيت. قوله: { مَا سَعَىٰ } أي: ما عمل من خير أو شر يراه مكتوباً في كتابه فيتذكرهُ، وكان قد نسيه، لقوله تعالى:{ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ } [المجادلة: 6]. قوله تعالى: { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ } العامة على بنائه للمفعول مشدداً، و { لِمَن يَرَىٰ } بياء الغيبة. وزيدُ بن علي وعائشة وعكرمة: مبنيًّا للفاعل مخففاً، و " ترى " بتاء من فوق، فجوزوا في تاء " ترى " أن تكون للتأنيث، وفي " ترى " ضمير الجحيم، كقوله تعالى:{ إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } [الفرقان: 12]، وأن تكون للخطاب، أي: ترى أنت يا محمد، والمراد: ترى الناس. وقرأ عبد الله: " لمن رأى " فعلاً ماضياً. قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: " بُرِّزَتْ " كشفت عنها تتلظّى، فيراه كل ذي بصرٍ، فالمؤمنون يمرُّون عليها،{ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [مريم: 71]، وأمَّا الكفار فهي مأواهُم. وقيل: الرؤية هنا: استعارة، كقولهم: قد تبين الصبح لذي عينين. وقيل: المراد: الكافر؛ لأنه الذي يرى النار بما فيها من أصناف العذاب. وقيل: يراها المؤمن ليعرف قدر النَّعمةِ. قوله: { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } أي: تجاوز الحدَّ في العصيان. قيل: نزلت في النَّضْرِ وأبيه الحارث، وهي عامة في كل كافرٍ آثر الحياة الدنيا على الآخرة. قوله: { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } إمَّا هي المأوى له، أو هي مأواه، وقامت " أل " مقام الضمير، وهو رأي الكوفيين وقد تقدم تحقيق هذا والرد على قائله، خلافاً للبصريين؛ قال الشاعر: [الطويل]