الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } * { حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } * { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } * { وَكَأْساً دِهَاقاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً } * { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً } * { رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً }

قوله تعالى: { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً }. تقدم تفسير المتقين، و " المفازُ ": يحتمل أن يكون مصدراً، بمعنى: فَوْزاً وظفراً بالنعمة، ويحتمل أن يكون المراد فوزاً بالنجاة من العذاب، ولذلك قيل للفلاة إذا قل ماؤها: مفازة، تفاؤلاً بالخلاص منها، وأن يكون مجموع الأمرين.

وقال الضحاك: منتزهاً.

قوله: { حَدَآئِقَ } يجوز أن يكون بدلاً من " مفازاً " بدل اشتمالٍ أو بدل كُلٍّ من كل مبالغةً في أن جعل نفس هذه الأشياء مفازاً.

ويجوز أن يكون منصوباً بإضمارِ " أعْنِي " ، وإذا كان مفازاً بمعنى الفوز، فيُقدَّر مضاف، أي فوز حدائق، وهي جمع حديقة، وهي البستان المحوط عليه، ويقال: أحْدقَ بِهِ أي أحَاطَ.

والأعْنَابُ: جمعُ عنب، أي: كروم أعناب، فحذف، والتنكير في قوله تعالى: { وَأَعْنَاباً } يدل على تعظيم تلك الأعناب.

قوله تعالى: { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً }. الكواعب: جمع كاعب، وهي من كعب ثديها وتفلك، أي يكون الثدي في النتوء كالكعب والفلكة، وهي النَّاهد، يقال: كَعَبَتِ الجارية تكعب كُعوباً، وكعَّبَتْ تَكْعِيباً، ونهَدتْ تَنْهَدُ نُهُوداً؛ قال: [الطويل]
5081- وكَانَ مِجَنِّي دُونَ مَنْ كُنْتُ أتَّقِي   ثلاثُ شُخوصٍ: كاعِبانِ ومُعْصِرُ
وقال قيس بن عاصم المسعريُّ: [الطويل]
5082- وَكَمْ مِنْ حَصَانٍ قَدْ حَوَيْنَا كَرِيمَةٍ   وَمِنْ كَاعِبٍ لَمْ تَدْرِ مَا البُؤْسُ مُعْصِرِ
وقال الضحاك: الكواعب: العَذَارى، والأتراب الأقران في السن، وقد تقدم ذكرهن في " الواقعة ".

قوله تعالى: { وَكَأْساً دِهَاقاً }.

الدِّهَاقُ: الملأى المُترعَةُ.

قيل: هو مأخوذ من دهقهُ، أي: ضغطه، وشده بيده، كأنه ملأ اليد فانضغط، قال: [الوافر]
5083- لأنْتِ إلى الفُؤادِ أحَبُّ قُرْباً   مِنَ الصَّادي إلى كَأسِ الدِّهاقِ
وهذا قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، وأبي عبيدة، والزجاج، والكسائي.

وقال عكرمة: ورُبَّما سمعت ابن عبًّاسٍ يقول: اسقنا وادهق لنا، ودعا ابن عباس غلاماً له فقال له: اسقنا دهاقاً، فجاء الغلام بها ملأى، فقال ابن عباس: هذا الدِّهاق.

وقيل: الدِّهاق: المتتابعة؛ قال رحمه الله: [الوافر]
5084- أتَانَا عَامِرٌ يَبْغِي قِرَانَا   فأتْرعْنَا لَهُ كَأساً دِهاقَا
وهذا قول أبي هريرة، وسعيد بن جبير، ومجاهد.

قال الواحدي: وأصل هذا القول من قول العرب: أدهقت الحجارة إدهاقاً، وهي شدة ترادفها، ودخول بعضها في بعض. ذكره الليث.

والتَّتابعُ كالتَّداخُل.

وعن عكرمة وزيد بن أسلمَ: أنَّها الصَّافيةُ، وهو جمع " دهق " ، وهو خشبتان يعصر بهما.

والمراد بالكأسِ: الخَمْرُ.

قال الضحاك: كل كأس في القرآن فهو خمر، والتقدير: وخمر ذات دهاق، أي عصرت وصفيت بالدهاق، قاله القشيري.

وفي " الصحاح " وأدْهَقْتُ الماءَ، أي: أفرغتُه إفراغاً شديداً، قال أبو عمرو: والدَّهْقُ - بالتحريك - ضرب من العذاب، وهو بالفارسية: " أشكَنْجَه ".

قال المبرد: والمَدهوقُ: المُعذَّبُ بجميع العذاب الذي لا فرجة فيه.

وقال ابن الأعرابي: دهقت الشيء: أي: كسرته وقطعته، وكذلك: " دَهْدَقْتُهُ " و " دَهْمَقْتُهُ " بزيادة الميم المثلثة.

السابقالتالي
2 3