الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ } * { وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ } * { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ }.

قال مقاتل والكلبي: المراد بالمتقين: الذين يتقون الشرك بالله تعالى؛ لأن السورة من أولها إلى آخرها في تقريع الكفار على كفرهم وتخويفهم.

قال ابن الخطيب: فيجب أن تكون هذه الآية مذكورة لهذا الغرضِ، وإلا لتفككت السورة في نظمها وترتيبها، وإنما يتم النظم بأن يكون الوعد للمؤمنين بسبب إيمانهم، فأما من جعله بسبب الطاعة فلا يليق بالنظم، وأيضاً فإن المتقي للشرك يصدق عليه أنه متَّقٍ؛ لأن غاية هذا أنه عام مخصوص، فتبقى حُجَّة فيما عدا محل التخصيص، وأيضاً فأن يحمل اللفظ على المعنى الكامل أولى وأكمل أنواع التقوى تقوى الشرك، فالحمل عليه أولى.

وقال بعضهم: هذه الآية أيضاً من جملة التهديد، فإن الكفار في الدنيا يكون الموت عليهم أسهل من أن يكون للمؤمنين دولة، فإذا رأوا عاقبة الفريقين في الآخرة تضاعف خسرانهم وندمهم، ولما أوعد الكفار بظل ذي ثلاث شعب، وعد المؤمنين بظلال وعيون وفواكه.

قوله: { فِي ظِلاَلٍ }. هذه قراءة العامة.

والأعمش والزهري وطلحة والأعرج: " ظُلَل " جمع ظلة، يعني في الجنة. وتقدم في " يونس " مثل لها.

قوله: { كُلُواْ }. معمولاً لقول ذلك المنصوب على الحال من الضمير المستكن في الظرف، أي كائنين في ظلال مقولاً لهم: وكذلك كلوا وتمتعوا قليلاً، فإن كان ذلك مقولاً لهم في الدنيا فواضح، وإن كان مقولاً في الآخرة فيكون تذكيراً بحالهم، أي حقاً بأن يقال لهم في دنياهم كذا؛ ومثله قوله: [المديد]
5066- إخوتِـي لا تَبعَـدُوا أبَـداً   وبَلَـى، واللَّـهِ قَـدْ بَعِـدوا
أي هم أهل إن دعا لهم بذلك.

قوله { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }. أي: نثيب الذين أحسنوا في تصديقهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وأعمالهم في الدنيا.

فصل في الكلام على الآية

اختلفوا في قوله { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } هل هو أمر أو إذن؟.

فقال أبو هاشم: هو أمر، وأراد الله تعالى منهم الأكل والشرب لأن سرورهم يعظم بذلك إذا علموا أن الله تعالى أراده منهم جزاء على عملهم، فكما يريد إجلالهم وإعظامهم بذلك، فكذلك يريد نفس الأكل والشرب منهم. وقال أبو علي: ليس بأمر وإنما يقوله على وجه الإكرام، والأمر والنهي إنما يحصلان في زمان التكليف لا في الاخرة.

فصل فيمن قال: العمل يوجب الثواب

تمسّك من قال: العمل يوجب الثواب بالباء في قوله: { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.

قال ابن الخطيب: وهذا ضعيف؛ لأن الباء للإلصاق، ولمَّا جعل هذا العمل علامة لهذا الثواب كان الإتيان بذلك كالآلة والصلة إلى تحصيل ذلك الثواب، وقوله تعالى: { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } المقصود منه تذكير الكفار بما فاتهم من النعيم العظيم ليعلموا أنهم لو كانوا من المتقين المحسنين لفازوا بمثل تلك الخيرات، فلما لم يفعلوا وقعوا فيما وقعوا فيه.

السابقالتالي
2 3