الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } * { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } * { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }

قوله تعالى: { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ } في " هل " هذه وجهان:

أحدهما: أنها على بابها من الاستفهام المحض، أي: هو ممن يسال لغرابته أأتى عليه حين من الدهر لم يكن كذا فإنه يكون الجواب: أتى عليه ذلك وهو بالحال المذكورة. كذا قاله أبو حيان.

وقال مكي في تقرير كونها على بابها من الاستفهام: والأحسن أن تكون على بابها للاستفهام الذي معناه التقرير, وإنما هو تقرير لمن أنكر البعث فلا بد أن يقول: نعم قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه، فيقال له: من أحدثه بعد أن لم يكن وكونه بعد عدمه، كيف يمتنع عليه بعثه، وإحياؤه بعد موته، وهو معنى قوله:وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } [الواقعة: 62] أي: فهلا تذكرون، فتعلمون أن من أنشأ شيئاً بعد أن لم يكن قادراً على إعادته بعد موته وعدمه انتهى.

فقد جعلها لاستفهام التقرير لا للاستفهام المحض، وهذا هو الذي يجب أن يكون؛ لأن الاستفهام لا يرد من الباري - تعالى - على هذا النحو وما أشبهه.

والثاني: قال الكسائي والفراء وأبو عبيدة وحكي أيضاً عن سيبويه: أنها بمعنى " قد " قال الفرَّاء: " هل " تكون جحداً وتكون خبراً، فهذا من الخبر؛ لأنك تقول: هل أعطيتك؟ تقرره: بأنك أعطيته، والجحد أن تقول: هل يقدر أحد على مثل هذا؟.

وقال الزمخشري: " هل " بمعنى " قد " في الاستفهام خاصة، والأصل: " أهل "؛ بدليل قوله: [البسيط]
5019- سَائِلْ فَوَارِسَ يَرْبُوعٍ لِشدَّتِنَا   أهَلْ رَأوْنَا بوَادِي القِفِّ ذِي الأكَمِ؟
فالمعنى: أقد أتى، على التقرير والتقريب جميعاً، أي أتى على الإنسان قبل زمان قريب " حين من الدهر لم يكن " فيه { شَيْئاً مَّذْكُوراً } أي: شيئاً منسيّاً غير مذكور انتهى.

فقوله " على التقرير " يعني المفهوم من الاستفهام، وهو الذي فهمه مكي من نفس " هل " لا تكون بمعنى " قد " إلا ومعها استفهام لفظاً كالبيت المتقدم، أو تقريراً كالآية الكريمة.

فلو قلت: هل جاء زيد، يعني: قد قام، من غير استفهام لم يجز. وغيره قد جعلها بمعنى " قد " من غير هذا القَيْدِ.

وبعضهم لا يجيز ذلك ألبتة ويتأول البيت المتقدم على أنه مما جمع فيه بين حرفي معنى للتأكيد، وحسن ذلك اختلاف لفظهما؛ كقوله: [الطويل]
5020- فأصْبَحْـنَ لا يَسْألنَنِـي عَـنْ بِمَـا بِـهِ   
فالباء بمعنى " عن " وهي مؤكدة لها، وإذا كانوا قد أكدوا مع اتفاق اللفظ؛ كقوله: [الوافر]
5021- فَـلاَ - والـلَّـهِ - لا يُلْفَـى لِمَـا بِـي   ولا لِلمَـا بِهِـمْ أبَـداً دَوَاءُ
فلأن يؤكد مع اختلافه أحرى، ولم يذكر الزمخشري غير كونها بمعنى " قد " ، وبقي على الزمخشري قيد آخر، وهو أن يقول: في الجمل الفعلية، لأنه متى دخلت " هل " على جملة اسمية استحال كونها بمعنى " قد " لأن " قد " مختصة بالأفعال.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7