الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } * { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً }

قوله: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا }. يجوز أن يكون توكيداً لاسم " إن " وأن يكون فصلاً و " نَزَّلْنَا " على هذين الوجهين هو خبر " إن " ، ويجوز أن يكون " نحن " مبتدأ، و " نَزَّلْنَا " خبره والجملة خبر " إنَّ ".

وقال مكي: " نَحْنُ " في موضع نصب على الصِّفة لاسم " إن " لأن الضمير يوصف بالمضمر؛ إذ هو بمعنى التأكيد لا بمعنى الغلبةِ، ولا يوصف بالمظهر؛ لأنه بمعنى التَّحلية والمضمر مستغن عن التحلية، لأنه لم يضمرْ إلا بعد أن عرف تحليته وعينه، وهو محتاج إلى التأكيد لتأكيد الخبر عنه.

قال شهاب الدين: وهذه عبارة غريبة جدًّا، كيف يجعل المضمر موصوفاً بمثله، ولا نعلم خلافاً في عدم جواز وصف المضمر إلا ما نقل عن الكسائي أنه جوّز وصف ضمير الغائب بضمير آخر، فلا خرف في عدم جوازه، ثم كلامه يؤول إلى التأكيد فلا حاجة إلى العدول عنه.

فصل في مناسبة اتصال الآية بما قبلها

وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه تعالى لما ذكر الوعد والوعيد بين أن هذا الكتاب يتضمن ما بالناس حاجةً إليه، فليس بسحرٍ ولا كهانةٍ ولا شعرٍ وأنه حقٌّ.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما - أنزل القرآن متفرقاً آية بعد آية، ولم ينزل جملة واحدة فلذلك قال: " نَزَّلْنَا ".

قال ابن الخطيب: المقصود من هذه الآية تثبيت الرسول وشرح صدره فيما نسبوه إليه من كهانة وسحر، فذكر تعالى أن ذلك وحي من الله تعالى ولا جرم بالغ في تكرار الضمير بعد إيقاعه تأكيداً على تأكيد فكأنه تعالى يقول: إن كان هؤلاء الكفار يقولون: إن ذلك كهانة فأنا الله الملك الحق، أقول على سبيل التأكيد: إن ذلك وحيٌ حقٌّ وتنزيلُ صدقٍ من عندي، وفي ذلك فائدتان:

إحداهما: إزالة الوحشة الحاصلة بسبب طعن الكفار؛ لأن الله - تعالى - عظّمهُ وصدقه.

والثانية: تقويته على تحمُّل مشاق التكليف، فكأنه - تعالى - يقول: إني ما نزلت عليك القرآن متفرقاً إلا لحكمة بالغة تقتضي تخصيص كل شيء بوقت معين، وقد اقتضت تلك الحكمة تأخير الإذن في القتال.

{ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } أي: لقضاء ربك.

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: اصبر على أذى المشركين، ثم نسخ بآية القتال.

وقيل: اصبرْ لما حكم به عليك من الطَّاعات، أو انتظر حكم الله إذ وعدك بالنصر عليهم ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة، { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً } أي: ذا إثمٍ { أَوْ كَفُوراً } أي: لا تطع الكفار.

روى معمر عن قتادة، قال: قال أبو جهل: إن رأيتُ محمداً لأطأنَّ على عنقه، فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً }.

السابقالتالي
2 3