الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } * { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } * { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } * { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } * { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } * { وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } * { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ }

قوله تعالى: { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } " كَلاَّ " ردْعَ وزَجْر، أي بعيد أن يؤمن الكافر بيوم القيامة، ثم استأنف فقال: { إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } أي: بلغت النفس والروح التراقي فأخبر بما لم يجر له ذكر لعلم المخاطب به كقوله تعالى:حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ص: 32] وقوله:فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } [الواقعة: 83].

وقيل: " كَلاّ " معناه " حقّاً " إن المساق إلى الله تعالى إذا بلغت التراقي، أي إذا ارتفعت النفس إلى التراقي.

وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إذا بلغت نفس الكافر التراقي. و " التراقي ": مفعول " بلغت " والفاعل مضمر، أي: النفس وإن لم يجرِ لها ذكر، كقول حاتم: [الطويل]
5004 - أمَاوِيَّ ما يُغنِي الثَّراءُ عن الفَتَى   إذَا حَشْرجتْ يَوْماً وضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
أي: حشرجت النفس.

وقيل: في البيت: إن الدال على النفس ذكر جملة ما اشتمل عليها وهو الفتى فكذلك هنا ذكر الإنسان دال على النفس، والعامل في " إذَا بَلغت " معنى قوله تعالى: { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } [القيامة: 30]، أي: إذ بلغت الحلقوم رفعت إلى الله تعالى، ويكون قوله: { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } [القيامة: 27] معطوف على " بلغت ".

و " التراقي ": جمع " ترقوة " ، أصلها: " تراقو " قلبت واوها ياء لانكسار ما قبلها.

والترقوة: أحد عظام الصدر. قاله أبو حيان، والمعروف غير ذلك.

قال الزمخشري: ولكل إنسان ترقوتان، فعلى هذا يكون من باب: غليظ الحواجب وعريض المناكب.

وقال القرطبي: " هي العظام المكتنفة لنُقْرة النحر، وهو مقدم الدّلق من أعلى الصدر، وهو موضع الحَشْرجة ".

قال دريدُ بن الصمَّةِ: [الوافر]
5005 - ورُبَّ عَظِيمةٍ دَافعْتُ عَنْهَا   وقَدْ بَلغَتْ نُفوسُهُمُ التَّراقِي
وقال الراغب: " التَّرْقُوة ":عظم وصل ما بين نُقرة النحر والعاتق انتهى.

وقال الزمخشري: العظام المكتنفة لنقرة النحر عن يمين وشمال. ووزنها: " فَعْلُوة " فالتاء أصل والواو زائدة، يدل عليه إدخال أهل اللغة إياها في مادة " ترق ".

وقال أبو البقاء والفراء: جمع تَرْقُوَة،وهي " فَعْلُوة " ، وليست بـ " تَفْعلَة " ، إذ ليس في الكلام " رقو ".

وقرىء: " التراقي " بسكون، وهي كقراءة زيد:تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } [المائدة: 89] وقد تقدم توجيهها.

وقد يكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشفاء على الموت والمقصود تذكيرهم شدة الحال عند نزول الموت.

فصل في الرد على من طعن في الآية

قال ابن الخطيب: قال بعض الطَّاعنين: إن النفس إنما تصل إلى التراقي بعد مفارقتها للقلب ومتى فارقت النفس القلب حصل الموت لا محالة، والآية تدل على أن عند بلوغها التراقي تبقى الحياة حتى يقال فيه: من راق وحتى تلتف الساق بالساق، والجواب: أن المراد من قوله: { حتَّى إذَا بَلَغَت التَّرَاقِي } ، أي: إذا حصل بالقرب من تلك الحالة.

السابقالتالي
2 3 4 5