الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } * { وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } * { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }

قوله: { كَلاَّ }. قال الزمخشري: " كلاَّ " ردع للنبي صلى الله عليه وسلم عن عادة العجلة وحثّ على الأناة.

وقال جماعة من المفسرين: " كلاَّ " معناه " حقّاً " أي: حقّاً تحبّون العاجلة، وهو اختيار أبي حاتم؛ لأن الإنسان بمعنى الناس.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: " كلاَّ " أي: أنَّ أبا جهل لا يؤمن بتفسير القرآن وبيانه.

وقيل: " كلاَّ " لا يصلُّون ولا يزكُّون، يريد كفار " مكّة ".

" بَلْ تُحِبُّونَ ". قرأ ابن كثير وأبو عمرو: " يُحِبُّون، ويَذَرُونَ " بيان الغيبة حملاً على لفظة الإنسان المذكور أولاً لأن المراد به الجنس، وهو اختيار أبي حاتم؛ لأن " الإنسان " بمعنى الناس والباقون: بالخطاب فيهما، إما خطاباً لكفار قريش أي: بل تحبون يا كفار قريش العاجلة، أي: الدار الدنيا والحياة فيها { وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } أي تدعون الآخرة والعمل لها، وإما التفاتاً عن الإخبار عن الجنس المتقدم والإقبال عليه بالخطاب.

واختار الخطاب أبو عبيد، قال: ولولا الكراهة لخلاف هؤلاء القراء لقرأتها بالياء، لذكر الإنسان قبل ذلك.

قوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } فيه أوجه:

أحدها: أن يكون " وجوهٌ " مبتدأ، و " نَاضِرةٌ " نعتٌ له، و " يَومئذٍ " منصوب بـ " نَاضِرَةٌ " و " ناظِرَةٌ " خبره، و " إلى ربِّها " متعلق بالخبر. والمعنى: أن الوجوه الحسنة يوم القيامة ناظرة إلى الله تعالى، وهذا معنى صحيح، والنَّاضرة: من النُّضرة وهي التنعم، ومنه غصن ناضر.

الثاني: أن تكون " وُجوهٌ " مبتدأ أيضاً، و " نَاضِرةٌ " خبره، و " يَوْمئذٍ " منصوب الخبر - كما تقدم - وسوَّغ الابتداء هنا بالنكرة كون الموضع موضع تفصيل، كقوله: [المتقارب]
4996 -..................   فَثَوْبٌ لَبِسْتُ وثَوْبٌ أجُرْ
وتكون " نَاضِرةٌ " نعتاً لـ " وُجوهٌ " أو خبراً ثانياً او خبراً لمبتدأ محذوف، و " إلى ربِّها " متعلق بـ " ناظرة " كما تقدم.

وقال ابن عطية: وابتدأ بالنكرة؛ لأنها تخصصت بقوله: " يوْمَئذٍ ".

وقال أبو البقاء: وجاز الابتداء هنا بالنَّكرة لحصول الفائدة.

وفي كلا قوليهما نظر أما قول ابن عطية: فلأن قوله " تخصصت " بقوله: " يَوْمئذٍ " هو التخصيص إما لكونها عاملة فيه، وهو محال؛ لأنها جامدة، وإما لأنها موصوفة به، وهو محال أيضاً؛ لأن الجثة لا توصف بالزمان كما لا يخبر به عنها.

وأما قول أبي البقاء: فإن أراد بحصول الفائدة ما تقدم من التفصيل فصحيح، وإن عنى ما عناه ابن عطية فليس بصحيح لما تقدم.

الثالث: أن يكون " وُجوهٌ " مبتدأ، و " يُوْمئذٍ " خبره.

السابقالتالي
2 3 4 5 6