الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } * { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } * { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } * { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }

قوله: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }.

قال بعض الرافضة: عدم مناسبتها لما قبلها يدل على تغيير القرآن.

قال ابن الخطيب: وفي مناسبتها وجوه:

الأول: لعل استعجال الرسول إنما كان عند نزول هذه الآيات.

الثاني: أنه تقدم أن الإنسان يستعجل بقوله: { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } ثم بين أن العجلة مذمومة في أمر الدين، فقال تعالى: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } ، وقال تعالى بعدها:بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } [القيامة: 20].

الثالث: أنه قدم { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } وكان صلى الله عليه وسلم إنما يستعجل خشية النسيان، فقيل له صلى الله عليه وسلم إن الأمور لا تحصل إلا بتوفيق الله - تعالى - وإعانته، فاعتمد على الله - تعالى - واترك التعجيل.

الرابع: كأنه قيل: غرضك من هذا التعجيل أن تحفظه، وتبلغه إليهم ليظهر صدقك، وقبح عنادهم، لكنهم يعلمون ذلك بقلوبهم، فلا فائدة في هذا التعجيل.

الخامس: أن الكافر لما قال: " أين المَفر "؟ كأنه يطلب الفرار من الله تعالى، فكن أنت يا محمد على مضادة الكافر، وفر من غير الله إلى الله.

السادس: قال القفالُ: الخطاب مع الإنسان المذكور في قوله { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ } فإذا قيل له: اقرأ كتابك تلجلج لسانه، فيقال له: لا تعجل، فإنه يجب علينا بحكم الوعد، أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك ونقرأها عليك، فإذا قرآناه فاتَّبعْ قرآنه بالإقرار { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } ، وهذا فيه وعيد شديد وتهويل.

روى الترمذي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يحرك لسانه يريد أن يحفظه، فأنزل الله تعالى: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }.

قال: وكان يحرك شفتيه، فقال لي ابن عباس: أنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، فحرك شفتيه، فأنزل الله تعالى: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } قال: جمعه في صدرك ثم نقرؤه { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } فاستمع وأنصت، ثم علينا أن نقرأه، فيقال: " فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل - عليه السلام - استمع، وإذا نطق جبريل - عليه السلام - قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه " خرجه البخاري أيضاً.

ونظير هذه الآية:وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْؤَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114]. وقد تقدم.

وقال عامر الشعبي: إنما كان يُعجِّل بذكره صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي من حبّه له وحلاوته في لسانه مع الوحي مخافة أن ينساه صلى الله عليه وسلم فنزلت: { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ } الآية.

السابقالتالي
2 3