الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } * { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ } * { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } * { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } * { كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ } * { كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ } * { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } * { وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ }

قوله: { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } عن القرآن، أي: فما لأهل " مكة " قد أعرضوا وولَّوا.

قال مقاتل: معرضين عن القرآن من وجهين:

أحدهما: الجحود والإنكار.

والثاني: ترك العمل بما فيه.

وقيل: المراد بالتذكرة: العظة بالقرآن، وغيره من المواعظ.

و " مُعرِضيْنَ " حال من الضمير في الجار الواقع خبراً عن " ما " الاستفهامية، وقد تقدم أن مثل هذه الحال تسمى حالاً لازمة وقد تقدم بحث حسن.

و " عن التذكرة " متعلق به.

قال القرطبي: " وفي " اللام " معنى الفعل، فانتصاب الحال على معنى الفعل ".

قال ابن الخطيب: " هو كقولك: ما لك قائماً ".

قوله: { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ } ، هذه الجملة يجوز أن تكون حالاً من الضمير في الجار، وتكون بدلاً من " معرضين ". قاله أبو البقاء. يعني: أنها كالمشتملة عليها، وأن تكون حالاً من الضمير في " معرضين " فيكون حالاً متداخلة.

وقرأ العامة: حُمُر - بضم الميم -، والأعمش: بإسكانها.

وقرأ نافع وابن عامر: " مُسْتَنْفَرَةٌ " - بفتح الفاء - على أنه اسم مفعول، أي: نفَّرها القنَّاص.

والباقون: بالكسر، بمعنى نافرة.

يقال: استنفر ونفر بمعنى نحو عجب واستعجب، وسخر واستسخر؛ قال الشاعر: [الكامل].
4974 - إمْسِكْ حِماركَ إنَّهُ مُسْتنفِرٌ   فِي إثرِ أحْمرةٍ عَمدْنَ لِغُرَّبِ
وقال الزمخشري: " وكأنها تطلب النِّفار في نفوسها، في جمعها له وحملها عليه ".

فأبقى السِّين على بابها من الطلب، وهو معنى حسنٌ.

قال أبو علي الفارسي: " الكسر في " مستنفرة " أولى لقوله: " فرَّت " للتناسب، لأنه يدل على أنها استنفرت، ويدل على صحة ذلك ماروى محمد بن سلام قال: سألت أبا سوار الغنوي - وكان عربياً فصيحاً - فقلت: كأنهم حمرٌ ماذا؟ فقال: مستنفرة طردها قسورة، فقلت: إنما هي فرَّت من قسورة، فقال: أفرت؟ قلت: نعم، قال: فمستنفِرة إذاً " انتهى.

يعني: أنها مع قوله طرد، تناسب الفتح، لأنها اسم مفعول، فلما أخبر بأن التلاوة " فرّت من قسورة " رجع إلى الكسر للتناسب إلا أنَّ بمثلِ هذه الحكاية لا تردُّ القراءة المتواترة.

والقَسْورة: قيل: الصَّائد، أي: نفرت وهربت من قسورة، أي: من الصائد.

وقيل: الرُّماة يرمُونها.

وقيل: هو اسم جمع لا واحد له.

وقال بعض أهل اللغة: إن " القَسْوَرة ": الرامي، وجمعه: القساورة.

ولذا قال سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وقتادة والضحاك وابن كيسان: " القسورة " وهم الرماة والصيَّادون، ورواه عطاء عن ابن عباس وأبو ظبيان عن أبي موسى الأشعري، وأنشدوا للبيد بن ربيعة: [الطويل]
4975 - إذَا مَا هَتفْنَا هَتْفةً في نَديِّنَا   أتَانَا الرِّجالُ العَائِدُون القَساوِرُ

السابقالتالي
2 3