قوله: { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } عن القرآن، أي: فما لأهل " مكة " قد أعرضوا وولَّوا. قال مقاتل: معرضين عن القرآن من وجهين: أحدهما: الجحود والإنكار. والثاني: ترك العمل بما فيه. وقيل: المراد بالتذكرة: العظة بالقرآن، وغيره من المواعظ. و " مُعرِضيْنَ " حال من الضمير في الجار الواقع خبراً عن " ما " الاستفهامية، وقد تقدم أن مثل هذه الحال تسمى حالاً لازمة وقد تقدم بحث حسن. و " عن التذكرة " متعلق به. قال القرطبي: " وفي " اللام " معنى الفعل، فانتصاب الحال على معنى الفعل ". قال ابن الخطيب: " هو كقولك: ما لك قائماً ". قوله: { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ } ، هذه الجملة يجوز أن تكون حالاً من الضمير في الجار، وتكون بدلاً من " معرضين ". قاله أبو البقاء. يعني: أنها كالمشتملة عليها، وأن تكون حالاً من الضمير في " معرضين " فيكون حالاً متداخلة. وقرأ العامة: حُمُر - بضم الميم -، والأعمش: بإسكانها. وقرأ نافع وابن عامر: " مُسْتَنْفَرَةٌ " - بفتح الفاء - على أنه اسم مفعول، أي: نفَّرها القنَّاص. والباقون: بالكسر، بمعنى نافرة. يقال: استنفر ونفر بمعنى نحو عجب واستعجب، وسخر واستسخر؛ قال الشاعر: [الكامل].
4974 - إمْسِكْ حِماركَ إنَّهُ مُسْتنفِرٌ
فِي إثرِ أحْمرةٍ عَمدْنَ لِغُرَّبِ
وقال الزمخشري: " وكأنها تطلب النِّفار في نفوسها، في جمعها له وحملها عليه ". فأبقى السِّين على بابها من الطلب، وهو معنى حسنٌ. قال أبو علي الفارسي: " الكسر في " مستنفرة " أولى لقوله: " فرَّت " للتناسب، لأنه يدل على أنها استنفرت، ويدل على صحة ذلك ماروى محمد بن سلام قال: سألت أبا سوار الغنوي - وكان عربياً فصيحاً - فقلت: كأنهم حمرٌ ماذا؟ فقال: مستنفرة طردها قسورة، فقلت: إنما هي فرَّت من قسورة، فقال: أفرت؟ قلت: نعم، قال: فمستنفِرة إذاً " انتهى. يعني: أنها مع قوله طرد، تناسب الفتح، لأنها اسم مفعول، فلما أخبر بأن التلاوة " فرّت من قسورة " رجع إلى الكسر للتناسب إلا أنَّ بمثلِ هذه الحكاية لا تردُّ القراءة المتواترة. والقَسْورة: قيل: الصَّائد، أي: نفرت وهربت من قسورة، أي: من الصائد. وقيل: الرُّماة يرمُونها. وقيل: هو اسم جمع لا واحد له. وقال بعض أهل اللغة: إن " القَسْوَرة ": الرامي، وجمعه: القساورة. ولذا قال سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وقتادة والضحاك وابن كيسان: " القسورة " وهم الرماة والصيَّادون، ورواه عطاء عن ابن عباس وأبو ظبيان عن أبي موسى الأشعري، وأنشدوا للبيد بن ربيعة: [الطويل]