قوله: { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ }. قال الفراء: " كَلاَّ " أصله للقسم، التقدير: أي: والقمر. وقيل: المعنى حقّاً والقمر، فلا يوقف على هذين التقديرين على " كلا ". وأجاز الطبري الوقف عليها، وجعلها ردّاً على الذين زعموا أنهم يقاومون خزنة جهنم أي: ليس الأمر كما يقول من زعم أنه يقاوم خزنة النار، ثم أقسم على ذلك بالقمر، وبما بعده. وقيل: هذا إنكار بعد أن جعلها ذكرى أن يكون لهم ذكرى؛ لأنهم لا يتذكرون. وقيل: هو ردعٌ لمن ينكر أن يكون الكبر نذيراً. وقيل: ردع عن الاستهزاء بالعدة المخصوصة. قوله تعالى: { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ }. قرأ نافع وحمزة وحفص: " إذ " ظرفاً لما مضى من الزمان " أدبر " بزنة " أكْرَمَ ". والباقون: " إذا " ظرفاً لما يستقبل " دَبَرَ " بزنة " ضَرَبَ ". والرَّسْمُ محتمل لكلتيهما، فالصورة الخطية لا تختلف. واختار أبو عبيد قراءة " إذا " ، قال: لأن بعده " إذَا أسْفرَ " ، قال: " وكذلك هي في حرف عبد الله " ، يعني: أنه مكتوب بألفين بعد الذال؛ أحدهما: ألف " إذا " والأخرى همزة " أدبر ". قال: وليس في القرآن قسم يعقبه " إذ " ، وإنما يعقبه " إذا ". واختار ابن عباس - رضي الله عنه -: " إذا ". ويحكى عنه: أنه لما سمع " دَبَرَ " قال: " إنَّما يدبرُ ظهر البعير ". واختلفوا: هل " دبر، وأدبر " بمعنى أم لا؟. فقيل: هما بمعنى واحد، يقال: دبر الليل والنهار وأدبر، وقبل وأقبل؛ ومنه قولهم: " أمس الدابر " فهذا من " دَبَر " ، و " أمس المُدبِر "؛ قال صَخرُ بن عمرو بن الشَّريدِ السُّلمِيُّ: [الكامل]
4970 - ولقَدْ قَتلْتُكمْ ثُنَاءَ ومَوْحَداً
وتَركْتُ مُرَّةَ مِثلَ أمْسِ الدّابرِ
ويروى: " المُدْبِر " ، وهذا قول الفرَّاء والأخفش والزجاج. وأما: " أدبر الراكب " وأقبل فرباعي لا غير. وقال يونس: " دبر " انقضى، و " أدبر " تولى، ففرق بينهما. وقال الزمخشري: " ودبر: بمعنى أدبر " كـ " قبل بمعنى أقبل ". وقيل منه: صاروا كأمسِ الدابر. وقيل: هو من دبر الليل بالنهار، إذا خلفه. وذكر القرطبي عن بعض أهل اللغة: " دبر الليل: إذا مضى، وأدبر: أخذ في الإدبار ". وقرأ محمد بن السميفع: " والليل إذا أدبر " بألفين، وكذلك هي في مصحف عبد الله وأبيّ. وقال قطرب: من قرأ " دبر " فيعني أقبل، من قول العرب: دبر فلان، إذا جاء من خلفي.