الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله: { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلْلَّيْلِ }.

العامة: على ضم " اللام " من " ثلثي " وهو الأصل، كالربع والسدس.

وقرأ هشام: بإسكانها تخفيفاً.

قوله: { وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } ، قرأ الكوفيون وابن كثير: بنصبهما، والباقون، بجرهما.

وفي الجر إشكال يأتي إن شاء الله تعالى.

فالنصبُ: نسق على " أدْنَى "؛ لأنه بمعنى وقت أدنى، أي: أقرب، استعير الدنو لقرب المسافة في الزمان، وهذا مطابق لما في أول السورة من التقسيم، وذلك أنه إذا قام أدنى من ثلثي الليل، فقد صدق عليه أنه قام الليل إلا قليلاً، لأن الزمان لم يقم فيه، فيكون الثلث، وشيئاً من الثلثين، فيصدق عليه قوله: " إلاَّ قَلِيلاً ".

وأما قوله: " ونصفهُ " فهو مطابق لقوله: " ولا نِصْفهُ " ، وأما قوله: " وثُلثهُ " فإنَّ قوله: { أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } قد ينتهى النقص في القليل إلى أن يكون الوقت ثلثي الليل، وأما قوله: { أَو زِدْ عَلَيْهِ } فإنَّه إذا زاد على النصف قليلاً كان الوقت أقل من الثلثين. فيكون قد طابق أدنى من ثلثي الليل، ويكون قوله تعالى: { نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } شرطاً لمبهم ما دل عليه قوله: { قُمِ ٱلْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } ، وعلى قراءة النصب: فسر الحسن " تحصُوهُ " بمعنى تطيقوه، وأما قراءة الجر: فمعناها أنه قيام مختلف مرة أدنى من الثلثين، ومرة أدنى من الثلث وذلك لتعذر معرفة البشر بمقدار الزمان مع عذر النوم، وقد أوضح هذا كله الزمخشري، فقال: وقرىء: " نصفه وثلثه " بالنصب، على أنك تقوم أقل من الثلثين، وتقوم النصف والثلث، وهو مطابق لما مر فيه أول السورة في التخيير بين قيام النصف بتمامه، وبين قيام الناقص وهو الثلث، وبين قيام الزائد عليه وهو الأدنى من الثلثين.

وقرىء بالجر أي تقوم أقل من الثلثين وأقل من النصف والثلث، وهو مطابق للتخيير بين النصف، وهو أدنى من الثلثين، والثلث، وهو أدنى من النصف، والربع وهو أدنى من الثلث، وهو الوجه الأخير، انتهى.

يعني بالوجه الأخير ما قدمه أول السورة من التأويلات. وقال أبو عبد الله الفارسي: وفي قراءة النصب إشكال إلا أن يقدر نصفه تارة، وثلثه تارة، وأقل من النصف، والثلث تارة، فيصح المعنى.

فصل في بيان أن هذه الآية تفسير للقيام في أول السورة

قال القرطبي: هذه الآية تفسير لقوله تعالى: { إِلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً } أو زد عليه - كما تقدم - وهي الناسخة لفريضة قيام الليل كما تقدم، ومعنى قوله تعالى: " تَقُومُ " أي: تصلي، و " أدْنَى " ، أي: أقل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7