الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً } * { فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } * { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } * { ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } * { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً }

واعلم أنه تعالى لما خوف المكذبين أولي النَّعمةِ بأهوال يوم القيامة خوفهم بعد ذلك بأهوال الدنيا، فقال:

{ إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً } يريد النبي صلى الله عليه وسلم أرسله إلى قريش { كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً } وهو موسى - عليه الصلاة والسلام - وهذا تهديد لأهل مكة بالأخذ الوبيل.

قال مقاتل: وإنما ذكر موسى وفرعون دون سائر الرسل لأن أهل " مكة " ازدروا محمداً صلى الله عليه وسلم واستخفوا به؛ لأنه ولد فيهم كما أن فرعون ازدرى بموسى؛ لأنه ربَّاه، ونشأ فيما بينهم كما قال تعالى:أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا } [الشعراء: 18].

وذكر ابن الخطيب هذا السؤال والجواب وليس بالقوي لأن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ولد، ونشأ فيما بين قوم نمرود، وكان " آزَر " وزير نمرود على ما ذكره المفسرون، وكذلك القول في نوح وهود وصالح ولوط، لقوله تعالى في قصة كل واحد منهم لفظة " أخاهم " لأنه من القبيلة التي بعث إليها.

قوله: { فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ } ، إنما عرفه لتقدم ذكره، وهذه " أل " العهدية، والعرب إذا قدمت اسماً ثم حكت عنه ثانياً، أتوا به معرفاً بـ " أل " ، أو أتوا بضميره لئلا يلتبس بغيره نحو " رأيت رجلاً فأكرمتُ الرجل، أو فأكرمته " ، ولو قلت: " فأكرمت رجلاً " لتوهم أنه غير الأول وسيأتي تحقيق هذا عند قوله تعالى:فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح: 6] وقوله - عليه الصلاة والسلام -: " لَنْ يغْلِبَ عسرٌ يُسرين ".

قال المهدوي هنا: ودخلت الألف واللام في " الرسول " لتقدم ذكره، ولذلك اختير في أول الكتب " سَلامٌ عَليْكُم " ، وفي آخرها " السَّلام عليْكُم ".

قوله: { فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } ، أي: شديداً، وضرب وبيل، وعذاب وبيل، أي: شديد.

قاله ابن عباس ومجاهد، ومنه: " مطر وابل " ، أي: شديد، قاله الأخفش.

وقال الزَّجاجُ: أي: ثقيلاً غليظاً، ومنه قيل للمطر وابل. وقيل: مهلكاً، قال: [الكامل]
4934 - أكَلْتِ بَنِيكِ أكْل الضَّبِّ حتَّى   وجَدْتِ مرارة الكَلأ الوَبيلِ
واستوبل فلان كذا: أي: لم يحمد عاقبته، وماء وبيل، أي: وخيم غير مريء وكلأ مستوبل، وطعام وبيل ومستوبل إذا لم يُمرأ ولم يستمرأ؛ قال زهير: [الطويل]
4935 - فَقضَّوا مَنايَا بَينَهُمْ ثُمَّ أصْدَرُوا   إلى كَلأٍ مُستوبَلٍ مُتوخمِ
وقالت الخنساء: [الوافر]
4936 - لَقَدْ أكَلتْ بجِيلةُ يَوْمَ لاقَتْ   فَوارِسَ مالِكٍ أكْلاً وبِيلا
والوبيل أيضاً: العصا الضخمة؛ قال: [الطويل]
4937 - لَوْ أصْبَحَ فِي يُمْنَى يَديَّ رِقامُهَا   وفِي كفِّيَ الأخْرَى وبِيلاً نُحَاذِرُهْ
وكذلك: " الوبل " بكسر الباء، و " الوبل " أيضاً: الحزمة من الحطب وكذلك " الوبيل ".

السابقالتالي
2 3 4 5