الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } * { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } * { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } * { لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }

قوله: { قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ } ، يعني: قيام الساعة لا يعلمه إلاَّ اللَّهُ فهو غيب لا أعلم منه إلا ما يعلمنيه الله تعالى جلت قدرتهُ.

قوله: { أَقَرِيبٌ } ، خبرٌ مقدمٌ، و { مَّا تُوعَدُونَ } مبتدأ مؤخر، ويجوز أن يكون " قَرِيبٌ " مبتدأ لاعتماده على الاستفهام و " مَا تُوعَدُون " فاعل به، أي: أقريب الذي توعدون، نحو " أقَائِمٌ أبواك " ، و " مَا " يجوز أن تكون موصولة فالعائد محذوف، وأن تكون مصدرية فلا عائد، و " أمْ " الظاهر أنها متصلة.

وقال الزمخشريُّ: " فإن قلت: ما معنى قوله: { أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } ، والأمد يكون قريباً وبعيداً، ألا ترى إلى قوله تعالىتَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً } [آل عمران: 30]، قلت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقرب الموعد، فكأنه قال: ما أدري أهو حالٌّ متوقع في كُلِّ ساعة، أم مؤجل ضربت له غاية؟ ".

وقرأ العامة: بإسكان الياء من " ربِّي ".

وقرأ الحرميان وأبو عمرو: بالفتح.

فصل في تعلق الآية بما قبلها

قال مقاتل: لما سمعوا قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً }. قال النضر بن الحارث: متى يكون هذا الذي توعدنا به؟.

فقال الله تعالى: { قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ } إلى آخره، والمعنى أنَّ وقوعه متيقن، وأما وقت وقوعه فغير معلوم.

وقوله تعالى: { أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } ، أي: غاية وبعداً، وهذا كقوله تعالى: { إِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ }.

فإن قيل: أليس " أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " بُعثْتُ أنَا والسَّاعَةُ كهَاتيْنِ " فكان عالماً بقُربِ وقُوعِ القيامةِ، فكيف قال - هاهنا -: لا أردي أقريب أم بعيد؟.

فالجواب: أن المراد بقرب وقوعه، هو أن ما بقي من الدنيا أقل مما انقضى فهذا القدر من القرب معلوم، فأما معرفة القرب المرتب وعدم ذلك فغير معلوم.

قوله: { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ } ، العامة: على رفعه، إما بدلاً من " ربِّي " وإما بياناً له وإما خبراً لمبتدأ مضمر، أي هو عالم.

وقرىء: بالنصب على المدح.

وقرأ السديُّ: علم الغيب، فعلاً ماضياً ناصباً للغيب.

قوله: " فلا يُظهرُ ". العامة: على كونه من " أظْهَر " ، و " أحَداً " مفعول به.

وقرأ الحسنُ: " يَظْهرُ " بفتح الياء والهاء من " ظهر " ثلاثياً، و " أحد " فاعل به.

فصل في تفسير الغيب

الغيب ما غاب عن العباد.

وقد تقدم الكلام عليه أول البقرة.

قوله: { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ }. يجوز أن يكون استثناء منقطعاً، أي لكن من ارتضاه فإنه يظهره على ما يشاء من غيبه بالوحي و " مِنْ " في قوله: " مِنْ رسُولٍ " لبيان المرتضين وقوله: { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } بيان لذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6