الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } * { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } * { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } * { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً }

قوله: { إِنَّمَآ أَدْعُواْ } ، قرأ عاصم وحمزةُ: بلفظ الأمر التفاتاً، أي: قل يا محمد، والباقون: " قال " إخباراً عن " عبد الله " وهو محمد صلى الله عليه وسلم.

قال الجحدريُّ: وهي في المصحف كذلك. وقد تقدم لذلك نظائر في " قل سبحان ربي " آخر " الإسراء " ، وكذا في أول " الأنبياء " وآخرها، وآخر " المؤمنون ".

قال المفسرون: سبب نزولِ هذه الآية أنَّ كفار قريش قالوا له: إنَّك جئت بأمر عظيم، وقد عاديت الناس كلهم، فارجع عن هذا ونحن نجيرك، فنزلت.

قوله: { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَدًا }.

قرأ الأعرج: " رُشُداً " - بضمتين -. وجعل الضر عبارة عن الغي؛ لأن الضرر سبب عن الغي وثمرته، فأقام المسبب مقام السبب، والأصل: لا أملك غياً، ولا رشداً، فذكر الأهم.

وقيل: بل في الكلام حذف، والأصل: لا أملكُ لَكُمْ ضراً ولا نَفْعاً ولا غيّاً ولا رشداً فحذف من كل واحدٍ ما يدل مقابله عليه.

فصل في معنى الآية

المعنى لا أقدر أن أدفع عنكم ضراً ولا أسوق لكم خيراً.

وقيل: { لا أملك لكم ضرّاً } ، أي: كفراً " ولا رَشداً " أي: هُدَى، أي: إنما عليَّ التبليغ.

وقيل: الضَّرُّ: العذاب، والرشدُ: النعيم، وهو الأول بعينه.

وقيل: الضرُّ: الموت، والرشد الحياة.

قوله: { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ } ، أي: لن يدفع عني عذابه أحدٌ إن استحفظته وذلك أنهم قالوا: اترك ما تدعو إليه، ونحن نجيرُك.

وروى أبو الجوزاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: انطلقتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن حتى أتى الحجُون فخطَّ علينا خطّاً، ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه فقال سيد يقال له وِرْدان: أنا أزجلهم عنك، فقال: { إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ } ، ذكره الماورديُّ رحمة الله عليه، قال: ويحتمل معنيين:

أحدهما: لن يجيرني مع إجارة الله لي أحد.

الثاني: لن يجيرني مما قدره الله تعالى علي أحدٌ، { وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } أي: ملجأ الجأ إليه، قاله قتادة، وعنه نصيراً ومولى.

وقال السدي: حِرْزاً، وقال الكلبيُّ: مدخلاً في الأرض مثل السِّرب، وقيل: مذهباً ولا مسلكاً، حكاه ابن شجرة؛ قال الشاعر: [البسيط]
4914 - يَا لَهْفَ نَفْسِي ولَهْفِي غَيْرُ مُجْزيَةٍ   عَنِّي ومَا مِنْ قضَاءِ اللَّهِ مُلتَحَدُ
و " مُلتَحَداً " مفعول " أحد " لأنها بمعنى " أصيب "

قوله { إِلاَّ بَلاَغاً } ، فيه وجوه:

أحدها: أنه استثناء منقطع، أي: لكن إن بلغت عن الله رحمتي، لأن البلاغ من الله - تبارك وتعالى - لا يكونُ داخلاً تحت قوله: { وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً }.

السابقالتالي
2 3 4