الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } * { لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } * { مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ } * { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }

قوله تعالى: { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ }.

قرأ نافع وابن عامرٍ: " سَالَ سَائِلٌ " بغير همز.

والباقون: بالهمز، فمن همز، فهو من السؤال، وهي اللغةُ الفاشيةُ.

ثم لك في " سأل " وجهان:

أحدهما: أن يكون قد ضمن معنى " دعا " فلذلك تعدَّى بالباءِ، كما تقول: دعوتُ بكذا، والمعنى: دعا داعٍ بعذابٍ.

والثاني: أن يكون على أصله، والباء بمعنى " عن " ، كقوله: [الطويل]
4856 م - فإنْ تَسْألُونِي بالنِّسَاءِ...   .......................
فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } [الفرقان: 59] وقد تقدم تحقيقه.

والأول أولى لأن التجوزَ في الفعل أولى منه في الحرف لقوته.

وأما القراءةُ بالألف ففيها ثلاثةُ أوجهٍ:

أحدها: أنها بمعنى قراءة الهمزة، وإنما خففت بقلبها ألفاً، وليس بقياس تخفيف مثلها، بل قياس تخفيفها، جعلها بَيْنَ بَيْنَ، والباء على هذا الوجه كما في الوجه الذي تقدم.

الثاني: أنَّها من " سَالَ يَسالُ " مثل: خَافَ يخافُ، وعين الكلمة واو.

قال الزمخشريُّ: " وهي لغةُ قريش، يقولون: سلت تسال، وهما يتسايلان ".

قال أبو حيَّان: وينبغي أن يتثبت في قوله: " إنها لغةُ قريش "؛ لأن ما جاء في القرآن من باب السؤال هو مهموز، أو أصله الهمز، كقراءة من قرأ { وسَلُوا } [النساء: 32]، إذ لا يجوز أن يكون من " سَالَ " التي يكون عينها واواً، إذ كان يكون " وسالوا الله " مثل " خافوا " فيبعد أن يجيء ذلك كلُّه على لغةِ غير قريش، وهم الذين نزل القرآنُ بلغتهم إلا يسيراً فيه لغة غيرهم، ثم جاء في كلام الزمخشري: وهما " يتسايلان " بالياء، وهو وهم من النُّساخ، إنما الصواب: يتساولان - بالواو - لأنه صرح أولاً أنه من السؤال، يعني بالواو الصريحة.

وقد حكى أبو زيد عن العرب: إنهما يتساولان.

الثالث: إنها من السَّيلان، والمعنى: " سال " واد في جهنم، يقال له: سايل، وهو قول زيد بن ثابت.

فالعين ياء، ويؤيده قراءة ابن عباس: " سال سيل ".

قال الزمخشريُّ: " والسَّيل مصدر في معنى السَّائل، كالغَوْر بمعنى الغَائِر، والمعنى: اندفع عليهم وادي عذاب " ، انتهى.

والظاهر الوجه الأول لثبوت ذلك لغة مشهورة، قال: [البسيط]
4857 - سَالَتْ هُذيْلٌ رَسُولَ اللَّهِ فَاحشَةً   ضَلَّتْ هُذِيْلٌ بِمَا سَالتْ ولمْ تُصِبِ
وقرأ أبيُّ بن كعب وعبد الله: " سَال سَالٍ " مثل " مَال ".

وتخريجها: أن الأصل: " سائل " فحذفت عينُ الكلمة، وهي الهمزة، واللام محل الإعراب، وهذا كما قيل: هذا شاكٍ في شائك السِّلاح. وقد تقدم الكلام على مادة السؤال أول سورة " البقرة " فليلتفت إليه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7