الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ }

لمّا بيَّن أنَّ الذين عَصَوا وتَمَرَّدُوا؛ أخذهم بَغْتَةً بيَّن في هذه الآية أنَّهُم لو أطَاعُوا فتح عليهم أبْوابَ الخيرات، وقد تقدَّمَ أنَّ ابن عامر يَقْرَأُ: " لفَتَّحنْا " بالتَّشديد ووافقه هنا عيسى بْنُ عُمَرَ الثَّقَفِيُّ، وأبو عبد الرَّحْمنِ السُّلمِيُّ.

وأصل البركة المواظبةُ على الشَّيءِ، أي تابعنا عليهم المطر والمراد بـ " بَرَكَات السَّماءِ " المَطَرُ، وبـ " بركات الأرْضِ " النَّبَاتُ والثِّمَارُ وكثرة المواشي والأمن والسَّلامة، وذلك لأنَّ السَّماءَ تجري مجرى الأب، والأرض تجري مجرى الأم، ومنهما يَحْصُلُ المَنَافِعِ، والخَيْرَات بخلق الله تعالى تدبيره.

ثم قال: { وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ } بالجدب والقَحْطِ { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الكفر والمَعْصِيَةِ، ثمَّ إنَّهُ تعالى أعاد التَّهْديدَ بعذابِ الاسْتئِصَالِ فقال: { أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى } يعني " مكَّة " وما حولها { أَن يَأتِيَهُمْ بَأسُنَا } أي: العذاب، وهذا استفهامٌ بمعنى الإنْكَارِ، خوَّفَهُم الله - تعالى - بنزول العذاب عليهم في وقت غَفْلَتِهِم، وهو حال النَّومْ باللَّيْل، وحال الضُّحَى بالنَّهَارِ؛ لأنَّهُ وقت اشتغال المرء باللَّذَّاتِ.

وقوله: " وَهُمْ يَلْعَبُونَ " يحتملُ التَّشَاغُلَ بأمور الدُّنيا فهي لَعِبٌ ولهو، ويحتملُ في كُفْرِهم؛ لأنَّهُ كاللَّعِبِ في أنَّهُ يضرُّ ولا يَنْفَعُ.

قوله: " أفَأمِنَ ".

قال الزَّمخشريُّ: " فإن قلت: ما المعطوف عليه، ولم عطفت الأولى بالفَاءِ والثَّانية بالواو؟.

قلتُ: المعطوف عليه قوله: " فَأخَذْنَاهُم بَغْتَةً " ، [وقوله: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ } إلى: " يَكْسِبُونَ " وقع اعتراضاً بين المعطوف والمعطوف عليه وإنَّمَا عطفت بالفاء؛ لأنَّ المعنى: " فَعَلُوا وَصَنعوا فأخذناهم بغتة، أبعد ذلك] أمن أهل القرى أن يأتيَهُمْ بأسنا بياتاً أو أمن أهل القُرَى أن يأتيهم بَأسُنَا ضُحًى ".

قال أبُو حيَّان: وهذا الَّذي ذَكَرَهُ رجوعٌ عن مذهبه في مثل ذلك إلى مذهب الجَماعَةِ، وذلك أنَّ مَذْهَبَهُ في الهمزة المصدرة على حرف العطف تقدير معطوف عليه بين الهمزة وحرف العطفِ، ومذهب الجماعةِ أنَّ حَرْفَ العطف في نِيَّةِ التقدُّم، وإنَّمَا تأخَّرَ وتقدَّمت عليه همزةُ الاستفهام لقوَّةِ تَصَدُّرها في أوَّلِ الكلام ". وقد تقدَّم تحقيقه، والزَّمَخْشريُّ هنا لم يقدِّر بينهما معطوفاً عليه، بل جعل ما بعد الفاءِ معطوفاً على ما قَبْلَهَا من الجُمَلِ، وهو قوله: " فأخَذْنَاهُم بَغْتَةً ".

قوله: " بَيَاتاً " تقدَّم أوَّلَ السُّورةِ أنَّهُ يجوز أن يكون حالاً، وأن يكون ظرفاً.

وقوله: " وهُمْ نَائِمُونَ " جملة حاليّة، والظَّاهِرُ أنَّها حال من الضَّميرِ المستتر في " بَيَاتاً "؛ لأنَّهُ يتحمَّل ضميراً لوقوعه حالاً، فيكون الحالان مُتَدَاخِلَيْنِ.

قوله: " ضُحًى " مَنْصوبٌ على الظَّرف الزَّمانيِّ، ويكون متصرفاً وغير متصرّف، [فالمتصرِّفُ] ما لم يرد به وقته من يوم بِعَيْنِهِ نحو: " ضُحاك ضحًى مُبَارَك ".

السابقالتالي
2