الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } * { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ }

قوله تعالى: { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } هم الرؤساء { لَنُخْرِجَنَّكَ يَٰشُعَيْبُ } ونخرج أتباعك من قريتنا.

وقوله: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } عطف على الكاف، و " يا شعيبُ " اعتراض بين المتعاطفين.

قوله: { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } عطف على جواب القسم، إذ التقدير: والله لنخرجنَّكَ والمؤمنين أو لتعودُنَّ، فالعَوْدُ مُسند إلى ضمير النبي ومَنْ آمن معه.

فإن قيل: إن شعيباً لم يكن قطّ على دينهم ولا ملتهم، فكيف يحسن أن يقال: " أو لتعودن في ملتنا " ، وقوله: { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم } يدل أيضاً على ذلك؟.

فالجواب: أن " عاد " في لسان العرب لها استعمالان.

أحدهما - وهو الأصل - أنه الرجوع إلى ما كان عليه من الحال الأول.

والثاني: استعمالُها بمعنى " صار " ، وحينئذ ترفعُ الاسم وتنصبُ الخبرَ، فلا تكتفي بمرفوع وتفتقر إلى منصوب، [وهذا عند بعضهم] ومنهم من منع أن تكون بمعنى " صار " فمن مجيئها بمعنى " صار " قوله: [الطويل]
2520 - وَرَبَّيْتُهُ حَتَّى إذَا مَا تَرَكْتُهُ   أخَا القَومِ واسْتَغْنَى عَنِ المَسْحِ شَارِبُهَ
وَبِالْمَحْضِ حَتَّى عَادَ جَعْداً عَنَطْنَطاً   إذَا قَامَ سَاوَى غَارِبَ الفَحْلِ غَارِبُهْ
فرفع بـ " عاد " ضمير الأول ونصب بها " جَعْداً " ، ومَنْ مَنَع ذلك يَجْعل المنصوب حالاً قال: [الطويل]
2521 - فَإنْ تَكُنِ الأيَّامُ أحْسَنَ مُدَّةً   إليَّ فَقَدْ عَادَتْ لَهُنَّ ذُنُوبُ
أي: صار لهن ذنوب، ولم يرد أن ذنوباً كانت لهن قبل الإحسان، وعلى هذا فزال الإشكال، والمعنى: لتصيرنّ في ملتنا بعد أن لم تكونوا، فـ " في ملتنا " خبر على هذا وأمّا على الأول فالجواب من وجوه:

أحدها: أن هذا القول من رؤسائهم، قصدوا به التلبيس على العوام، والإيهام لهم أنه كان على دينهم وفي مِلَّتِهِمْ.

الثاني: أنهم خاطبوا شعيباً بخطاب أتباعه، وأجروا عليه أحكامهم.

الثالث: أن يُراد بعَوْده رجوعُه إلى حالة سكوته قبل بعثته؛ لأنه قبل أن يبعث إليهم كان يُخْفي إيمانه، وهو ساكت عنهم بريء مِنْ معبودهم غير الله.

وعدَّى " عاد " بـ " في " الظرفية، كأن المِلَّة لهم بمنزلةِ الوعاءِ المحيط بهم.

قوله: { أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } الاستفهامُ للإنكار تقديره: أيوجدُ منكم أحد هذين الشيئين: أعني الإخراج من القرية، والعَوْد في الملة على كل حال حتى في حال كراهتنا لذلك؟.

وقال الزمخشري: " الهمزةُ للاستفهام، والواوُ واو الحال تقديره: أتعيدوننا في ملَّتكم في حال كراهتنا ".

قال أبو حيان: وليست هذه واو الحال، بل واو العطف، عطفت هذه الحال على حال محذوفة، كقوله - عليه الصلاة والسلام -: " رُدُّوا السَّائِلَ ولَوْ بِظِلْفٍ مُحرقٍ "

السابقالتالي
2 3 4 5