الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ }

قوله تعالى: { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } القصة. في نصب " لُوطاً " وجهان:

أحدهما: أنه منصوب بـ " أرْسَلْنَا " الأوَّلِ، و " إذ " ظرف الإرسال.

والثاني: أنَّهُ منصوبٌ بإضمار " اذْكُرْ " ، وفي العامل في الظرف حينئذ وجهان:

أحدهما - وهو قول الزمخشريِّ أنَّهُ بدلٌ من " لوطاً " قال: " بمعنى: واذكر وقت إذ قال لقومه " وهذا على تسليم تصرف " إذ ".

والثاني: أنَّ العامل فيها مُقَدَّرٌ تقديره: " واذْكُرْ رسالةَ لُوط إذْ قَالَ " فـ " إذ " منصوب بـ " رسالة ". قاله أبُو البقاء، والبدل حينئذٍ بدل اشتمال.

وصرّف نوح ولوط لخفَّتِهِ، فإنَّهُ ساكنُ الوسط، مركب من ثلاثة أحرف.

قال الزَّجَّاج: زعم بعض النَّحويين يعني الفرَّاء: أنَّ لوطاً يجوز أن يكون مشقاً لُطْتُ الحوض إذا ملسته بالطين، وهذا غلط؛ لأنَّ الأسماء الأعجميّة لا تشتق كإسْحَاق، فلا يقال: إنه من السُّحق وهو البعد؛ وإنَّمَا صرف لخفته؛ لأنَّه على ثلاثة أحْرُف ساكن الوسط، فأمَّا لطتُ الحوضَ، وهذا أليط فصحيح، ولكن الاسم أعجميّ كإبراهيم وإسحاق.

وهو: لوطُ بْنُ هَاران بْنِ تَارِخ ابْنِ أخي إبراهيم، كان في أرض بابل مع عمه إبراهيم،، فهاجر إلى الشَّام، فنزل إبراهيمُ إلى فلسطين، وأنزل لوطاً الأردن، فأرسله اللَّهُ عز وجل إلى أهل سَدُوم.

قوله: " أتأتُون الفَاحِشَة " أتفعلون السيئة المتناهية في القبح، وذكرها باسم الفاحشة ليبين أنَّها زنا لقوله تعالى:وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } [الإسراء: 32].

{ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } في هذه الجملة وجهان:

أحدهما: أنَّهَا مستأنفة لا محلَّ لها من الإعرابِ، وعلى الاستئناف يحتمل أن تكون جواباً لسؤال وألا تكون جواباً.

قال الزَّمَخْشَرِيُّ: " فإن قلت: ما موقع هذه الجملة "؟

قلت: لا مَحَلَّ لها لأنَّها مُسْتَأنفة، أنكر عليهم أوّلاً بقوله: " أتَأتُونَ الفَاحِشَةَ " ثُمَّ وبخهم عليها فقال: أنتم أوَّلُ من عملها. أو تكون جواباً لسؤال مقدَّر، كأنَّهُم قالوا: لِمَ لا تأتيها؟ فقال: " ما سبقكم بها أحَدٌ؛ فلا تفعلوا ما لم تُسْبَقُوا به " وعلى هذا فتكون صفة للفاحشة، كقوله تعالى:وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [يس: 37] وقال الشَّاعر: [الكامل]
2511- وَلَقَدْ أمُرُّ على اللَّئِيم يَسُبُّني   ..............................
والباء في " بِهَا " فيها وجهان:

أظهرهما أنها حالية، أي: ما سبقكم أحدٌ مصاحباً لها أي: ملتبساً بها.

والثاني: أنَّها للتعدية.

قال الزمخشريُّ: الباءُ للتعدية من قولك: " سَبَقْته بالكُرة " إذا ضربتها قبله. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " سَبَقَكَ بها عُكَّاشَةُ ".

قال أبو حيان: " والتّعدية هنا قلقة جداً؛ لأنَّ " الباء " المعدِّية في الفعل المتعدي لواحد [هي] بجعل المفعولِ الأوَّلِ يفعل ذلك الفعل بما دخلت عليه الباء فهي كالهمزة، وبيان ذلك أنَّك إذا قلت: " صَكَكْتُ الحجرَ بالحَجر " كان معناه: أصْكَكْت الحجرَ بالحجر أي: جَعَلْت الحجر يَصُكُّ الحجر، فكذلك: دفعت زيداً بعمرو عن خالد، معناه: أدْفَعْتُ زيداً عمراً عن خالد أي جعلت زيداً يدفع عمراً عن خالد فللمفعول الأوَّل تأثير في الثَّاني ولا يصحُّ هذا المعنى هنا؛ إذْ لا يصحُّ أن يقدَّر: أسْبَقْتُ زيداً الكرة أي: جعلت زَيْداً يسبق الكُرَةَ إلا بمجاز متكلَّف، وهو أن تجعل ضربك للكرةِ أول جَعْل ضربة قد سبقها أي: تقدَّمها في الزمان فلم يجتمعا ".

السابقالتالي
2 3