الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ }

قوله: " قَالَ المَلأُ " قرأ ابنُ عامرٍ وحدَهُ " وَقَالَ " بواو عطف نسقاً لهذه الجملة على ما قبلها، وموافقة لمصاحفِ الشَّام، فإنها مرسومة فيها، والباقون بحذفها: إما اكتفاء بالربط المعنوي، وإمّا لأنَّهُ جواب لسؤال مقدَّر كما تقدَّم، وهذا موافقة لمصاحفهم، وهذا كما تقدَّم في قوله:وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ } [الأعراف: 43] إلا أنَّهُ هو الذي حذف الواو هناك.

قوله: { ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ }.

السين في " اسْتَكْبَرُوا " و " اسْتُضْعِفُوا " يجوز أن تكون على بابها من الطلب، أي: طلبوا - أولئك - الكِبْرَ من أنفسهم ومن المؤمنين الضعف.

ويجوزُ أن يكون " اسْتَفْعَلَ " بمعنى: فعل [كَعَجِبَ] واسْتَعْجَبَ.

واللاَّم في " الذِينَ اسْتُضْعِفُوا " للتبليغ، ويضعف أن تكون للعلّة، والمراد بالذين استكبروا الرّؤساء، وبالذين استضعفوا المساكين.

قوله: { لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } بدلٌ من " الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا " بإعادة العامل، وفيه وجهان:

أحدهما: أنَّهُ بدل كلٍّ من كُلٍّ، إن عاد الضَّمير في " مِنْهُم " على قومه، ويكون المستضعفون مؤمنين فقط، كأنَّهُ قيل: قال المستكبرون للمؤمنين من قوم صالح.

والثاني: بدلُ بعض من كلٍّ، إنْ عاد الضَّميرُ على المستضعفين، ويكون المستضعفون ضربين: مؤمنين وكافرين، كأنَّهُ قيل: قال المستكبرون للمؤمنين من الضُّعَفَاءِ دون الكَافِرينَ من الضُّعفاء.

وقوله: " أتَعْلَمُونَ " في محل نصب بالقول.

و " مِن رَّبِّهِ " متعلق بـ " مُرْسَلٌ " ، و " من " لابتداء الغاية مجازاً، ويجوز أن تكون صفةً فتتعلق بمحذوف.

واعلم أنَّ المستكبرين لمَّا سألوا المُسْتَضْعفين عن حال صالح وما جاء به، فأجاب المُسْتَضْعَفُون بقولهم: إنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ صالح مؤمنون، أي: مُصَدّقون، فقال المستكبرون: بل نحن كافرون بما آمنتم به، أي: بالذي جاء به صالح.

قوله: { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ } متعلق بـ " مُؤمِنُونَ " قُدِّم للاختصاص والاهتمام وللفاصلة.

قوله: " قَالَ الذي " " ما " موصولة، ولا يجوزُ هنا حذف العائد وإن اتحد الجار للموصول وعائده؛ لاختلاف العامل في الجارين وكذلك قوله: { بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }.

قوله: " فَعَقَرُوا النَّاقَةَ " أصل العَقْرِ: كَشْفُ العَراقِيبِ في الإبل، وهو أن يضرب قَوَائمَ البَعِيرِ أو النَّاقَةِ فتقع، وكانت هذه سنتهم في الذَّبْحِ.

قال امرؤ القيس: [الطويل]
2505 - وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِي   فَيَا عَجَباً مِنْ رَحْلِهَا المُتَحَمَّلِ
ثم أطلق على كل نَحْرٍ " عَقْرٌ " ، وإن لم يكن فيه كشف عراقيب تسمية للشَّيء بما يلازمه غالباً، إطلاقاً للمسبّب على مسبّبه هذا قول الأزهري.

وقال ابن قتيبة: " العَقْرُ: القتل كيف كان، عَقَرْتُها فهي معقورة ".

وقيل: العقر: الجرح. وعليه قول امرىء القيس: [الطويل]

السابقالتالي
2 3 4