الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

ثمود: اسم رجل: وهو ثَمُودُ بْنُ عاد بْن إرم بْنِ سَام بْنِ نُوحٍ، وهو أخو جديس، فثمود وجديس أخوان، ثم سُمِّيت به هذه القبيلة.

قال أبُو عَمرو بْن العلاء: سميت ثمود لقلَّة مائها، والثَّمَدُ: الماء القليلُ: [قال النابغة: [البسيط]
2502 - أحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الحَيِّ إذْ نَظَرَتْ   إلَى حَمَامٍ شِرَاعٍ وارِدِ الثَّمَدِ]
وكانت مساكنهم " الحجر " بين " الحِجاز " و " الشَّام " إلى " واد القرى " ، والأكثر منعه الصرف اعتباراً بما ذكرناه أوَّلاً، ومن جعله اسماً للحيّ صرفه، وهي قراءة الأعمش، ويحيى بن وثَّابٍ في جميع القرآن، وقد ورد القرآن بهم صَرِيحاً.

قال تعالى:أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ } [هود: 68].

وسيأتي الخلاف من القُرَّاء السَّبْعةِ في سورة " هُودٍ " وغيرها.

وصالح: اسم عربيٌّ، وهو صالح بن آسف.

وقيل: ابْنُ عُبَيْدِ بْنِ آسف بن كَاشِح بْنِ أروم بْنِ ثَمُودَ [ابن جاثر].

{ قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } أمرهم بعبادة الله، ونهاهم عن عبادة غير الله، كما ذكره عمن قبله من الأنبياء.

قوله: { قَدْ جَآءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ }.

قد كثر إيلاءُ هذه اللَّفظة العوامل، فهي جارية مَجْرَى " الأبْطح " و " الأبْرَقِ " في عدم ذكر موصوفها.

وقوله: " مِن ربِّكُمْ " يحتمل أن يتعلق بـ " جَاءَتْكُم " و " مِنْ " لابتداء الغايةِ مجازاً، وأنْ تتعلق بمحذوف؛ لأنَّها صفةٌ بيِّنة، ولا بدَّ من حذف مُضاف، أي: من بينات ربكم ليتصادق الموصوف وصفته.

وهذا يدلُّ على أنَّ كُلَّ شيءٍ كان يذكر الدلائل على صحَّةِ التَّوْحيدِ، ولم يكتف بالتَّقْلِيدِ، وإلاَّ كان ذكر البينة - وهي الحجة - هاهنا لغواً.

قوله: { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } أضاف النَّاقة إليه على سبيل التفضيلِ، كقولك: بيت الله، وروح الله؛ لأنَّهَا لم تتوالد بين جمل وناقة، بل خَرَجَتْ من حَجَرٍ.

و " آيَةً " نصبَ على الحال؛ لأنَّها بمعنى العلامة، والعاملُ فيها إمَّا معنى التنبيه، وإما معنى الإشارةِ، كأنَّهُ قال: أنبهكم عليها، وأشير إليها في هذه الحال.

ويجوزُ أن يكون العامل مُضْمَراً تقديرُهُ: انظروا إليها في هذه الحال، والجملة لا محلَّ لها؛ لأنَّها كالجواب لسُؤالٍ مقدَّر، كأنهم قالوا: أين آيتك؟ فقال: هذه ناقةُ الله.

وقوله: " لَكُم " أي: أعني لكم به، وخصّوا بذلك، لأنَّهُم هم السَّائِلُوهَا، أو المنتفعون بها من بين سَائِرِ النَّاسِ لو أطاعوا.

ويحتمل أن تكون " هَذِه نَاقَةُ الله " مفسرة لقوله: " بَيِّنَةٌ "؛ لأنَّ البَيِّنَةَ تستدعي شيئاً يتبين به المدعى، فتكون الجملة في محل رفع على البدل، وجاز إبدالُ جملة من مفرد؛ لأنَّهَا في قوته.

السابقالتالي
2