الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }

لمَّا قرر المعاد بالدَّليل الظَّاهِرِ أتبعه بذكْرِ قَصَصِ الأنْبِياء لفوائد:

أحدها: التَّنبيه على أنَّ إعراض النَّاسِ عن قبول الدلائل والبينات ليس مَخْصوصاً بِقَوْم مُحَمَّد - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - بل هذه العادَةُ المذمُومَة كانت حاصلة في جميع الأمَمِ السَّابقة، والمصيبة إذا عمَّت خَفَّت، ففي ذِكْرِ قَصَصِهم تسلِيَة للرَّسُولِ - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - وتخفيف عن قَلْبِهِ.

وثانيها: أنَّهُ تعالى يحكي في هذه القَصَصِ أنَّ عَاقِبَة أمر أولئك المنكرين كان إلى اللّعْنِ في الدُّنْيَا، والخسارة في الآخِرَةِ، وعاقبة أمر المحقّين [إلى الدَّوْلَةِ في الدُّنْيَا، والسَّعادة في الآخرة، وذلك يقوي قلوب المُحِقِّين]، ويكسر قلوب المبطلين.

وثالثها: التنبيه على أنَّهُ تعالى، وإن كان يمهل المبطلين لكنَّهُ لا يُهْمِلُهُمْ بل يعاقِبُهُم، وينتقمُ منهم.

ورابعها: بيان ما في هذه القصص من الدّلالةِ على نُبُوَّةِ محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - لأنَّهُ كان أميّاً، لم يطالع كتاباً، ولا تَلْمَذَ لأستاذ، فإذا ذكر هذه القصص من غير تحريف ولا خطأ دَلَّ ذلك على أنَّهُ عرفها بوحي من الله تعالى.

قوله: " لقد أرْسَلْنَا " جواب قسم محذوف تقديره: " واللَّه لقد أرْسَلْنَا ".

قال الزَّمَخْشَرِيُّ: فإن قلت: ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللاَّم إلاَّ مع " قَدْ " ، وقلَّ عنهم قوله: [الطويل]
2497 - حَلَفْتُ لَهَا بِاللَّهِ حَلْفَةَ فَاجِرٍ   لَنَامُوا...........................
قلتُ: إنَّمَا كان ذلك؛ لأنَّ الجملة القسميَّة لا تساقُ إلا تأكيداً للجملةِ المُقْسَمِ عليها، التي هي جوابها، فكانت مَظَنَّةً لمعنى التَّوَقُّعِ الذي هو معنى " قَدْ " عند استماع المخاطب كلمة القسم.

وأما غير الزَّمَخْشَريِّ من النُّحَاةِ فإنَّهُ قال: إذا كان جواب القسم ماضياً مثبتاً متصرفاً: فإمَّا أن يكُونَ قريباً من زمن الحال فتأتي بـ " قَدْ " وإلاَّ أتيت باللاَّم وَحْدَهَا فظاهر هذه العبارة جواز الوَجْهَيْنِ باعتبارَيْنِ.

وقال هاهنا: " لقد " من غير عاطف، وفي " هود " [25] و " المؤمنين " [23]: ولقد بعاطف، وأجاب الكَرْمَانيُّ بأن في " هود " قد تقدَّم ذكر الرَّسولِ مرَّات، وفي " المؤمنين " ذكر نُوحٍ ضِمْناً في قولهوَعَلَى ٱلْفُلْكِ } [غافر: 80]؛ لأنَّهُ أوَّلُ من صنعها، فحسن أن يُؤتى بالعاطف على ما تقدَّم، بخلافِهِ في هذ السُّورةِ.

فصل

هو نُوحُ بْنُ لمك بْنِ متوشلح بْنِ اخنوخ، وهو إدريس وهو أول نبيّ بعثه الله بعد إدريس.

وقال القُرْطُبِيُّ: " وهو أوَّلُ نَبِيٍّ بُعِثَ بعد آدم بتحريم البنات والعمَّاتِ، والخالاتِ، وكان نَجَّاراً، بعثَهُ اللَّهُ إلى قومه وهو ابن خمسين سنة ".

وقال مُقَاتِلٌ: " ابن مِائَةِ سَنَةٍ ".

قال النَّحَّاسُ: " وانصرف؛ لأنَّهُ على ثلاث أحرف ".

وقال ابن عباس: " سُمِّي نوحاً لكثرة نَوْحِهِ على نَفْسِهِ ".

السابقالتالي
2 3 4