الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

في كيفيَّة النَّظْمِ وجهان:

الأولُ: أنه تعالى لمّا ذكر دَلاَئِلَ الإلهيَّةِ، وكمال العلم والقدرة من العالم العلويّ، وهو السَّموات والشَّمْسُ، والقمر، والنُّجُوم، أتبعه بذكر الدَّلائل من أحوال العَالمِ السُّفْلِيّ.

واعلم أنَّ أحوال هذا العالم محصورةٌ في أمور أربعة: الآثار العُلْويَّة، والمعادن، والنَّبَات، والحيوان، ومن جملة الآثار العلويَّة: الرياحُ والسَّحَابُ والأمطار، ويترتب على نزول الأمطار أحوال النَّبَات، وهو المذكور في هذه الآية.

الثاني: أنَّهُ تعالى لمَّا أقاَمَ الدَّلالة في الآية الأولى على وجود الإله القادِرِ العالم الحكيم؛ أقَامَ الدَّلالة في هذه الآية على صِحَّةِ القول بالحشر، والنَّشْرِ، والبعث، والقيامة ليحصلَ بمعرفة هايتن الآيتين كلُّ ما يحتاج إليه في معرفة المَبْدَأ والمعاد.

قوله: " الرِّيَاح بُشْراً " قد تقدَّم خلاف القرَّاءِ في إفراد " الرِّيحِ " وجمعها بالنِّسْبَة إلى سائر السُّور في البقرة.

وأمّا " بُشْراً " فقرأه في هذه السُّورة - وحيث ورد في غيرها من السُّورِ - نافع وأبو عمرو وابن كثير بضم النون والشِّين، وهي قراءة الحسنِ وأبي عَبْدِ الرَّحْمنِ، وأبي رجاء بخلاف عنهم، وشَيْبَةَ بْن نصَاحٍ والأعْرَجِ وعيسَى بْنِ عُمر وأبِي يحيى، وأبي نَوْفَلٍ الأعْرَابيَّيْنِ. وفي هذه القراءة وجهان فيتحصَّلَ فيها ستَّةُ أوْجُه:

أحدها: أن " نُشُراً " جمع نَاشِرٍ كـ " بازل " و " بُزُلٍ " و " شَارِفٍ " و " شُرُفٍ " وهو جمع شاذٌّ في فاعل.

ثم " نَاشِرٌ " هذا اختلف في معناه فقيل: هو على النَّسَبِ: إمَّا إلى النَّشْر ضدَّ الطيِّ، وإمَّا إلى النُّشُورِ بمعنى الإحياء كقوله:وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } [الملك: 25]، والمعنى: ذا نَشْرٍ، أو نشورٍ كـ " لابنٍ " و " تَامِرٍ ".

وقيل: هو فاعل من نَشَرَ مطاوع أنْشَرَ يُقال: أنْشَرَ اللَّهُ الميِّتَ، فَنَشَرَ فهو نَاشِرٌ، وأنشد: [السريع]
2491 - حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مِمَّا رَأوْا   يَا عَجباً لِلْمَيِّتِ النَّاشِرِ
وقيل: ناشرٌ بمعنى مُنْشِرٌ أي: المُحْيي تقول: نَشَرَ اللَّهُ الموتى وأنْشَرَهَا، ففعل وأفْعل على هذا بمعنى واحد، وهذه الثَّالِثَةُ ضعيفة.

الوجه الثاني: أنَّ نُشُراً جمع نَشُور، وهذا فيه احتمالان:

أرجحهما: أنَّهُ بمعنى فاعل، وفعول بمعنى فاعِل ينقاس جمعُه على فُعُل كصَبُور، وصُبُر، وشكور، وشُكُر أي متفرقة، وهي الرِّيَاحُ التي تأتي من كل ناحية والنّشر التفريق، ومنه نَشْرُ الثَّوْبِ، ونشر الخَشَبَةِ بالمِنْشَارِ.

وقال الفراءُ: النَّشْرُ من الرِّيح الطيِّبة اللينَةِ التي تنشىء السَّحاب، واحدها نُشُورٌ، وأصله من النَّشْرِ وهو الرَّائِحَةُ الطيِّبَةُ.

والثاني: أنَّهُ بمعنى مفعول كَرَكُوبٍ وحلوب بمعنى مَرْكوب ومَحْلُوبٍ قالوا: لأنَّ الرِّيح تُوْصَفُ بالمَوْتِ وتوصفُ بالإحياء فمن الأوَّل قوله: [الرجز]
2492 - إنِّي لأرْجُو أنْ تمُوتَ الرِّيحُ   فأقْعُدُ اليَوْمَ وأسْتَرِيحُ
ومن الثاني قوله: " أنْشَر الله الرِّيحَ وأحْيَاهَا " وفعول بمعنى مفعول يُجْمع على فُعُل كرسول ورُسُلٍ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7