الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

يدخل فيه المنع من إفْسَادِ النُّفُوسِ بالقَتْلِ، وقطع الأعضاء، [وإفساد الأموال بالنَّهْبِ، والغصب، والسَّرِقَةِ، ووجوه الحيل وإفساد الأديان بالكفر والبِدَعِ] وإفساد الإنسانِ بالزِّنَا واللِّواطِ والقَذْفِ، وإفساد العقول بشرب المُنْكَرَاتِ، فهذا النَّهْيُ يقتضي مَنْعَ إدخال ماهيَّة الفَسَادِ في الوُجُودِ بجميع أنْوَاعِهِ وأصنافه.

وقوله: " بَعْدَ إصلاحِهَا " يحتمل أنْ يكون المرادُ بعد أن صح خلقها على الوَجْهِ المطابق لمنافع الخَلْقِ، ويحتمل أنْ يكون المرادُ بعد إصلاح الأرْضِ ببعثة الرُّسُلِ، وإنزال الكُتُبِ، وتفصيل الشَّرَائِع.

قوله: { وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً }.

هذانِ حالانِ، أي: ادْعُوهُ ذُوُو خَوْفٍ وطَمَعٍ، أو خَائِفِينَ طامعين، أو مَفْعُولان من أجلهما، أي: لأجْلِ الخوفِ والطَّمَعِ.

فإن قيل: قد قال في الآية الأولى: " ادْعُوا رَبَّكُمْ " ، ثم قال هاهنا: " وَادْعُوهُ " ، وهذا يقتضي عَطْفَ الشَّيْءِ على نفسه، وهو باطل.

والجوابُ: أنَّ الَّذينَ فسروا قوله: " ادْعُوا رَبَّكُمْ " بأنَّ المرادَ به العِبادَة، قالوا: المُرَادُ بهذا الدُّعَاء الثَّانِي هو الدُّعَاءُ نفسه.

وأمّا الذين قالوا: المرادُ بقوله: " ادْعُوا رَبَّكُمْ " هو الدُّعَاءُ قالوا: المراد بهذا الدُّعَاءِ أن يكون الدُّعَاءُ المأمور به أوَّلاً مقروناً بالتَّضَرُّع، والأخْفَاءِ، ثم بيَّن هاهنا أنَّ فائدةَ الدُّعَاءِ أحد هذين الأمرين.

فالأولى في بيان شَرْطِ صحَّةِ الدُّعاء.

والثانية في بيان فَائِدةِ الدُّعَاءِ ومنفعته.

قوله: { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } إنَّمَا لم يُؤنِّثْهَا وإن كانت خبراً لمؤنث لوجوه:

منها أنَّهَا في معنى الغُفْرَانِ والعفو والإنعامِ، فحُمِلت عليه، قاله النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل واختاره الزَّجَّاجُ.

قال سعيدُ بْنُ جُبَيْر: الرَّحْمَةُ هاهنا الثَّوَابُ فرجع النعت إلى المعنى دون اللفظ كقوله:وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُم مِّنْهُ } [النساء: 8] ولم يقل: " مِنْهَا "؛ لأنَّهُ أراد الميراث والمال.

ومنها أنها صفة لموصوف مذكَّرٍ حذف، وبقيت صِفَتُهُ، والتَّقديرُ: إنَّ رحمة الله شيءٌ قريبٌ.

ومنها: أنها في معنى العفو أو المطر، أو الرحم.

ومنها: أنَّهَا على النَّسب كحائضٍ ولابنٍ وتامرٍ، أي: ذات حيض.

ومنها: تشبيه فعيل بمعنى فاعل بِفَعيلٍ بمعنى مفعول، فيستوي فيه المُذَكَّر والمؤنَّث كجريح، كما حُمِلَ هذا عليه حيثُ قالوا: أسير وأسَرَاءُ، وقبيل وقُبَلاء حَملاً على رَحِيمٍ ورحماء، وعليم وعُلَماء، وحكيم وحُكماء.

[ومنها: أنَّه] مصدر [جاء على فعيل كالنَّعيق وهو صَوْت الضِّفْدَع، والضغيب وهو صَوْتُ الأرنب وإذا كان مَصْدراً] لَزِمَ الإفراد والتذكير.

ومنها: أنَّهَا بمعنى مَفْعُولٍ أي مُقَرَّبة، قاله الكَرْمَانِيُّ، وليس بجيد؛ لأنَّ فعيلاً بمعنى مفعول لا يَنْقَاسُ، وعلى تقدير اقتياسه فإنَّمَا يكونُ من الثُّلاثِي المجرَّد، لا من المزيدِ فيه، ومُقَرَّبة من المزيد فيه.

ومنها: أنَّهَا من باب المُؤنَّث المجازي، فلذلك جاز التَّذكير كطلع الشَّمس.

قال بعضهم: وهو غَيْرُ جَيِّدٍ؛ لأنَّ ذلك حيث كان الفعل متقدِّماً نحو: طلع الشَّمس، أمَّا إذا تأخَّر وجب التَّأنيثُ، إلا في ضرورة شِعْرٍ كقوله: [المتقارب]

السابقالتالي
2