قد تقدَّم الكلام على " تَأويله " في [آل عمران 7]. وقال الزَّمخشريُّ هاهنا: والتَّأويل مادته من همزة وواو ولام، مِنْ " آل يؤول ". وقال الخطابي: أوَّلْتُ الشيء رَدَدْتُهُ إلى أوله، واللفظة مأخوذة من الأول، وهو خطأٌ؛ لاختلاف المادتين والتأويل مرجع الشّيء ومصيره من قولهم: آل الشَّيءُ يئول. واحتجَّ بهذه الآية من ذهب إلى أنَّ قوله:{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } [آل عمران: 7] أي: [و] ما يعلم عاقبة الأمر فيه إلا اللَّهُ. فصل في معنى " ينظرون " لمَّا بيَّن إزاحة العِلَّة بسبب إنزال هذا الكتاب المفصَّل الموجب للهداية والرَّحمة بيَّن بَعْدَهُ حال من كذَّب فقال: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } ، والمعنى: هل يَنْتَظِرُونَ أي يتوقّعون إلاّ جزاءه، قاله مُجَاهِدٌ. وقال السُّدِّيُّ: " عاقبته، وما يؤول إليه ". فإن قيل: كيف يتوقعون وينتظرون مع جحدهم وإنكارهم؟ فالجوابُ: لعلّ فيهم أقواماً تشككوا وتوقّفوا، فلهذا السّبب انتظروه، وأنهم وإن كانوا جاحدين إلاَّ أنَّهم بمنزلة المُنْتَظِرِين من حيث إن تلك الأحوال تأتيهم لا محالة. قوله: " يَوْمَ " منصوب بـ " يقول ". وقوله: { يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ }. معناه: أنَّهُم صاروا في الإعْراضِ عنه بمنزلة من نسي، ويجوز أن يكون معنى نسوه أي: تَرَكُوا العمل والإيمان به كما تقدَّم. قوله: " قَدْ جَاءَتْ " مَنْصُوبَة بالقول و " بالحَقِّ " يجوز أن تكون " الباء " للحالِ، وأن تكون للتعدية أي: جاءوا ملتبسين بالحق، أو جاءُوا الحقّ. والمعنى: أقرُّوا بأنَّ الذي جاءت الرُّسُلُ به من ثُبُوتِ الحَشْرِ، والنَّشْرِ، والبَعْثِ والقيامة، والثواب، والعقاب، كل ذلك كان حقّاً؛ لأنهم شاهدوها وعاينوها. قوله: { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ } " من " مزيدة في المبتدأ و " لنا " خبر مقدَّم، ويجوز أن يكون " مِنْ شُفَعَاء " فاعلاً و " مِنْ " مزيدة أيضاً، وهذا جائز عند كل أحد لاعتماد الجار على الاستفهام. قوله: " فَيَشْفَعُوا " منصوب بإضمار " أنْ " في جواب الاستفهام فيكون قد عطف اسماً مؤولاً على اسم صريح، أي: فهل لَنَا من شفعاء بشفاعة منهم لنا؟ قوله: " أوْ نُرَدُّ " الجمهور على رفع " نُرَدُّ " ونصب " فَنَعْمَلَ " ، فرفع " نردُّ " على أنَّه عطف جملة فعليّة، وهي " نُردُّ " على جملة [اسميّة] وهي: هل لنا من شُفَعَاء فيشفَعُوا؟ ونصب " فَنَعْملَ " على ما انتصب عليه " فَيَشْفَعُوا " ، وقرأ الحسنُ برفعهما على ما تقدَّم، كذا روى عنه ابن عطية وغيره، وروى عنه الزمخشري نصب " نُرَدَّ " ورفع " فنعملُ ". وقرأ أبُو حَيْوَةَ، وابن أبي إسحاقَ بنصبهما فنصب " نردَّ " عطفاً على " فَيَشْفَعُوا " جواباً على جواب، ويكون الشفعاء في أحد شيئين: إمَّا في خلاصهم من العذابِ، وإمِّا في رجوعهم للدُّنيا ليعملوا صالحاً، والشَّفَاعَةُ حينئذ [مستحبة] على الخلاص أو الرَّدّ، وانتصب " فَنَعْمَلَ " نسقاً على " فُنردَّ ".