الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ }

أي بين أصحاب الجنَّة وأصحاب النَّار، وهذا هو الظَّاهر كقوله:فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } [الحديد: 13].

وقيل: بين الجنَّة والنَّار، وبه بدأ الزَّمخشريُّ.

فإن قيل: وأي حاجة إلى ضرب هذا السُّورِ بين الجنَّة والنَّار، وقد ثبت أن الجنَّة. فوق والنَّار في أسفل السَّافِلِينَ؟.

فالجوابُ: بُعد إحداهما عن الأخرى لا يمنعُ أن يحصل بينهما سور وحجاب.

قوله: " وَعَلى الأعْرَافِ ": قال الزَّمَخْشَرِيُّ: أي: وعلى أعراف الحجاب.

قال القرطبيُّ: أعراف السّور وهي شُرَفُه، ومنه عُرْفُ الفَرَسِ وعرف الدِّيكِ، كأَنَّهُ جعل " أل " عوضاً من الإضافة وهو مذهب كوفي، وتقدَّم تحقيقه.

وجعل بعضهم نفس الأعْرَافِ هي نفس الحِجابِ المتقدم ذكره، عبر عنه تارةً بالحجاب، وتارةً بالأعراف.

قال الوَاحِدِيُّ - ولم يذكر غيره -: " ولذلك عُرِّفَت الأعراف؛ لأنَّهُ عني بها الحِجَاب " قال ابن عباس.

والأعراف: جمع عُرْف بضمِّ العَيْنِ، وهو كلُّ مرتفع من أرض وغيرها استعارةً من عُرْف الدّيك، وعُرْف الفرس.

قال يَحْيَى بْنُ آدَمَ: سألت الكِسَائِيَّ عن واحد الأعراف فسكت، فقلت: حدثتنا امرأتك عن جَابِرٍ عن مُجَاهِدٍ عن ابن عباس قال: " الأعراف سُورٌ له عرف مثل عرف الدِّيك " فقال: نعم، وإن واحده عُرْفُ بعيرٍ، وإن جماعته أعْرَاف، يا غُلام هات القرطاس كأنَّهُ عرف بارتفاعه دون الأشياء المنخفضة، فإنَّهَا مجهولة غالباً.

قال أمية بن أبي الصلت: [البسيط]
2470 - وَآخَرُونَ عَلَى الأعْرَافِ قَدْ طَمِعُوا   فِي جَنَّةٍ حَفَّهَا الرُّمَّانُ والخَضِرُ
ومثله أيضاً قوله: [الرجز]
2471 - كُلُّ كِنَازِ لَحْمِهِ نِيَافِ   كالجَبَلِ المُوفِي عَلَى الأعْرَافِ
وقال الشَّمَّاخ: [الطويل]
2472 - فَظَلَّتْ بأعْرَافٍ تَعَادَى كأنَّهَا   رِمَاحٌ نَحَاهَا وِجْهَةَ الرِّيحِ رَاكِزُ
وقال الزَّجَّاجُ، والحسنُ في أحد قوليه: إن قوله: " وَعَلى الأعْرَافِ " وعلى معرفة أهْل الجَنَّة والنَّار، كَتَبَةٌ رجال يعرفون كل من أهل الجنة والنَّار بسيماهم، للحسن: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فضرب على فَخِذِهِ ثم قال: هم قومٌ جعلهم الله على تعرف أهل الجنّة وأهل النّار، يميزون البعض من البعض والله لا أدري لعل بعضهم الآن معنا.

قال المهدويُّ: " إنَّهم عدول القِيَامَةِ الذين يَشْهَدُونَ على النَّاس بأعمالهم، وهم في كُلِّ أمَّةٍ " ، واختار هذا القول النَّحَّاسُ وقال: " هو من أحسن ما قيل فيه، فهم على السور بين الجنَّةِ والنَّارِ ".

فأمَّا القائلون بالقول الأوَّلِ فقد اختلفوا في الذين هم على الأعراف على قولين:

فقيل: هم الأشْرَافُ من أهل الطَّاعَةِ، وقال أبو مجلز: " هم ملائكة يعرفون أهل الجنَّة وأهل النَّار " ، فقيل له: يقول الله - عز وجل - { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ } ، وتزعم أنَّهُمْ ملائكة، فقال: " الملائكة ذكور لا إناث ".

السابقالتالي
2 3 4