الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ }

هذا من تمام وعيد الكُفَّارِ فقوله: { كَذَّبُوا بآيَاتِنَا } أي بالدَّلائل الدَّالة التي هي أصول الدِّين فالدهرية ينكرون دلائل إثبات الذَّات والصِّفاتِ، والمشركون ينكرون دلائل إثبات التوحيد، ومنكرو النُّبوات يكذبون الدلائل الدالة على صحّة النُّبُوَّات ومنكرو نبوة محمد ينكرون الدلائل الدالة على صحة نبوته، ومنكرو المعاد ينكرون الدَّلائل الدّالة على صحّة المعاد فقوله: { كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } يتناولُ الْكُلَّ ومعنى الاستكبار طلب التَّرَفُّع بالبَاطِلِ، وهذا اللَّفظ يَدُلُّ على الذم في حقِّ البَشَرِ.

قوله: " لا تُفَتَّحُ ".

قرأ أبُو عمر: " لا تُفْتَح " بضمِّ ِالتَّاء من فوق والتَّخفيف والأخوان بالياء من تحت والتخفيف أيضاً، والباقون: بالتَّأنيث والتشديد.

فالتَّأنْيِثُ والتَّذكير باعتبار الجمع والجماعة، والتخَّفيف والتضعيف باعتبار التكثير وعدمه، والتضعيف هنا أوْضَحُ لكثرة المتعلق، وهو في هذه القراءات مبني للمفعول.

وقرأ أبُو حَيْوَةَ، وأبو البرهسم [ " تَفَتَّح " ] بفتح التَّاء مِنْ فوق والتضعيف، والأصل: لا تتفتح بتاءَيْن فحُذِفت إحداهما، وقد تقدَّم فيتَتَذَكَّرُونَ } [الأنعام: 152].

ونحوه، فـ " أبواب " على قراءة أبي حيوة فاعل، وعلى ما تقدَّم مفعول لم يُسمَّ فاعله.

وقرىء: " لا تفتح " بالتاء، ونصب " الأبْواب " على أن الفعل للآيات وبالياء على أن الفعل للَّه ذكره الزمخشري.

فصل في معنى " لا تفتح "

قال ابنُ عبَّاسٍ: لا تفتح لأعمالهم لدعائهم مأخوذ من قوله:إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10].

وقال السُّدِّيُّ وغيره: لا تفتح لأرواحهم أبواب السَّمَاءِ وتفتح لأرواح المؤمنين، ويؤيد هذا ما ورد في الحديث أنَّ روح المؤمن يعرج بها إلى السَّماء فيستفتح لها فيقال: مرحباً بالنَّفْس الطيبة، التي كانت في الجسد الطيب، ويقال لها ذلك إلى أن تنتهي إلى السَّماء السابعة، ويستفتح لروح الكافر، فقال لها: ارْجِعِي ذميمةً فإنه لا تفتح لك أبوابُ السَّماء ولا يدخلون الجنة بل يهوى بها إلى سجين.

وقيل: لا ينزلُ عليهم الخير والبركة لقوله:فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } [القمر: 11].

قوله: { حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ }.

الولوج: الدُّخُول بشدّة، ولذلك يقال: هو الدُّخول في مضيق، فهو أخصُّ من الدُّخول، والوليجة: كلُّ ما يعتمده الإنسان، والوليجة الدَّاخِلُ في قوم ليس منهم.

و " الجَمَلُ " قراءة العامة، وهو الحيوانُ المعروف، ولا يقال للبعير جملاً إلا إذا بَزَل، ولا يقال له ذلك إلا إذا بَلَغَ أربع سنين وأول ما يخرج ولد النَّاقة، ولم تعرف ذُكُوريَّتُهُ وأنوثته يقالُ لَهُ: " سَلِيلٌ " ، فإن كان ذكراً فهو " سَقْبٌ " ، وإن كان أنثى " حَائِلٌ " ، ثم هو " حُوار " إلى الفطام، وبعده " فَصِيل " إلى سنة، وفي الثانية: " ابْن مَخَاض " و " بِنْت مَخَاض " ، وفي الثالثة: " ابْن لَبون " و " بنت لبون " ، وفي الرابعة: " حِقٌّ " و " حِقَّة " ، وفي الخامسة: جَذَع وجَذَعة، وفي السَّادسة: " ثَنِيُّ " و " ثَنِيَّة " ، وفي السَّابعة: رَباع ورَباعية مخففة، وفي الثامنة: " سدِيسٌ " لهما.

السابقالتالي
2 3