الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ }

اختلفوا في هذا القائل، فقال مقاتل: " هو كلامُ خازِنِ النَّارِ " ، وقال غيره: " هو كلام اللَّهِ " ، وهذا الاختلاف مبني على أنَّ الله - تعالى - هل يتكلَّمُ مع الكفار أم لا؟، وقد تقدمت هذه المسألة.

قوله: " فِي أمَمٍ " يجوزُ أنْ يتعلَّق قوله: " في أمَمٍ " وقوله " في النَّارِ " كلاهما بـ " ادْخُلُوا " ، فيجيء الاعتراضُ المشهور وهو كيف يتعلّق حرفا جرٍّ متحدا اللفظ والمعنى بعامل واحد؟، فيجاب بأحد وجهين:

إمَّا أنَّ " في " الأولى ليست للظَّرفية، بل للمعيّة، كأنَّهُ قيل: ادخلوا مع أممٍ أي: مصاحبين لهم في الدُّخول، وقد تأتي " في " بمعنى " مع " كقوله تعالى:وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ } [الأحقاف: 16].

وقول الشاعر: [الطويل]
2462 - شَمُوسٌ ودُودٌ فِي حَيَاءٍ وعِفَّةٍ   رخِيمَةُ رَجْعِ الصَّوْتِ طَيِّبَةُ النَّشْرِ
وإمَّا بأن " في النَّار " بدل من قول " فِي أمَمٍ " وهو بدل اشتمال كقوله:أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ ٱلنَّارِ } [البروج: 4،5].

فإنَّ النَّار بدل من الأخدود، كذلك " في النَّارِ " بدل من " أمَمٍ " بإعادة العامل بدل اشتمال، وتكونُ الظرفية في [ " في " ] مجازاً؛ لأنَّ الأمم ليسوا ظروفاً لهم حقيقة، وإنَّما المعنى: ادخلوا في جملة أمَمٍ وغمارهم.

ويجوز أن تتعلّق " فِي أمَمٍ " بمحذوف على أنَّهُ حال أي: كائنين في جملة أمم.

و " فِي النَّارِ " متعلّق بـ " خلت " أي: تسبقكم في النَّارِ.

ويجوز أنْ تتعلَّق بمحذوف على أنَّهُ صفة لـ " أمَمٍ " فتكون " أمم " قد وصفت بثلاثة أوصاف:

الأولى: الجملة الفعليّة، وهي قوله " قَدْ خَلَتْ ".

والثاني: الجارّ والمجرور، وهو قوله: { مِن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ }.

الثالث: قوله: " فِي النَّارِ " ، والتقدير: في أممٍ خالية من قبلكم كائنة من الجنِّ والإنس، ومستقرَّة في النَّارِ.

ويجوز أن تتعلَّق " فِي النَّار " بمحذوفٍ أيضاً، لا على الوَجْهِ المذكور، بل على كونه حالاً من " أمَمٍ " ، وجاز ذلك وَإنْ كانت نكرة لتخصُّصها بالوصفين المُشَار إليهما.

ويجوز أن يكون حالاً من الضَّميرِ في " خَلَتْ "؛ إذ هو ضمير الأمَمِ، وقُدِّمت الجنُّ على الإنس؛ لانَّهم الأصل في الإغواء.

قوله: " كُلَّما دَخَلتْ " تقدَّم نظيرها، وهذه الجملة يحتمل أن تكون صفة لـ " أمم " أيضاً، والعائد محذوفٌ أي: كلما دخلت أمة منهم أي: من الأمَمِ المتقدَّمةِ لعنت أختَهَا، والمعنى: أن أهل النّار يلعنُ بعضهم بَعْضاً، ويتبرَّأ بعضهم مِنْ بَعْضٍ كما قال تعالى:ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ }

السابقالتالي
2 3 4