الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }

قوله: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } وهذا يرجع إلى قوله تعالى { وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ } أي فمن أظلم ظلماً ممن يقول على اللَّهِ ما لم يعلمه أو كذب بما قاله، والأوَّلُ: هو الحكم بوجود ما لم يوجد.

والثاني: هو الحكم بإنكار ما وجد.

والأول يدخلُ فيه قول من أثبت الشريك للَّه تعالى سواء كان ذلك الشريك عبارة عن الأصنام أو الكواكب أو عن مذهب القائلين بيزدان وأهرمن ويدخل فيه قول من أثبت للَّه تعالى البنات والبنين ويدخل فيه من أضاف الأحكام الباطلة إلى اللَّه عز وجل.

والثاني: يدخل فيه قول من أنْكَرَ كون القرآن العظيم كتاباً نازلاً من عند الله تعالى وقول مَنْ أنْكَرَ نبوة مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

قوله: { أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ }.

قيل المراد بذلك النَّصِيبِ هو العذاب قاله الحسنُ والسُّدِّيُّ أي: ما كتب لهم في اللَّوْحِ المحفوظِ من العذاب وسواد الوجوه وزرقةِ العيون قال عطية عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: كتب لمن يفتري على اللَّه سواد الوجه. قال تعالىوَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } [الزمر: 60].

وقيل المراد بـ " النصيب " أن أهل الذمة يجب علينا أن لا نتعدى عليهم، وأن ننصفهم ونذب عنهم.

وقال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - وسعيدُ بنُ جبيرٍ - رضي الله عنه - ومجاهدٌ: ما سبق لهم من السّعاد والشّقاوة، فإن قضى اللَّهُ لهم بالختم على الشّقاوة أبقاهم على كفرهم، وإن قضى لهم بالختم على السعادة؛ نقلهم إلى الإيمان وقال الرَّبيعُ، وابنُ زَيْدٍ ومحمَّدُ بن كعبٍ القرظيُّ: ما كتب لهم من الأرْزَاقِ والأعمار، والأعمال، فإذا فَنِيَتْ وانقضت " جَاءَتْ رُسُلنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ ".

قوله تعالى " مِنَ الكِتَابِ " في محلّ الحال من نَصِيبُهُم أي: حال كونه مستقراً من الكتاب و " مِنْ " لابتداء الغاية.

قوله: " حَتَّى إذَا " هنا غاية، و " إذَا " وما في حيزها تقدَّم الكلام عليها هل هي جارة، أو حرف ابتداء؟ وتقدَّم عبارة الزَّمخشريُّ.

واختلفوا فيها إذا كانت حرف ابتداء أيضاً.

فقال ابْنُ درستويه هي حينئذٍ جارَّة، وتتعلَّق بما قبلها تعلّق حروف الجرِّ من حيثُ المعنى لا مِنْ حيثُ اللفظ، والجملة بعدها في محل جرٍّ.

وقال الجمهورُ: إذا كانت حرف ابتداء فَلَيْسَتْ جارّةً، بل حرف ابتداء فقط.

وإن كان مَعْنَاهَا الغاية كقول القائل في ذلك: [الطويل]
2459 - سَرَيْتُ بِهِمْ حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ   وحَتَّى الجِيَادُ مَا يُقَدْنَ بأرْسَانِ
وقول الآخر في ذلك: [الطويل]
2460 - فَمَا زَالَتِ القَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا   بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أشْكَلُ
وقال صاحب " التَّحْريرِ ": " حتَّى " هنا ليست للغاية، بل هي ابتداء وخبر وهذا وَهْمٌ إذ الغايةُ معنى لا يفارقها.

السابقالتالي
2 3