الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }

في نصب " فريقاً " وجهان:

أحدهما: أنَّهُ مَنْصُوبٌ بـ " هَدَى " بعده، و " فريقاً " الثَّانِي منصوب بإضمار فعل يفسِّرهُ قوله: { حقَّ علَيْهِمُ الضَّلالَةُ } من حيثُ المعنى والتَّقديرُ: وأضلَّ فريقاً حقّ عليهم.

[قال القُرْطُبِيُّ: وأنشد سيبويه: [المنسرح]
2452 - أصْبَحْتُ لا أحْمِلُ السِّلاحَ وَلاَ   أمْلِكُ رَأسَ البَعِير إنْ نَفَرَا
والذِّئْبُ أخْشَاهُ إذْ مَرَرْتُ بِهِ   وَحْدِي وأخْشَى الرِّيَاحَ والمَطَرا
قال الفرَّاءُ: ولو كان مرفوعاً لجاز]، وقدَّره الزمخشريُّ: " وخذل فريقاً " لأجل مَذْهَبِهِ.

والجملتان الفعليتان في محلِّ نصب على الحال من فاعل " بَدَأكُمْ " أي: بَدَأكُم حال كَوْنِهِ هادياً فريقاً ومُضِلاًّ آخر.

و " قد " مضمرة عند بعضهم، ويجوزُ على هذا الوجه أيضاً أن تكون الجملتان الفعليَّتان مستأنفتيْنِ، فالوقف على " يعودون " على هذا الإعراب تام، بخلاف ما إذا جعلتهما حالين، فالوقف على قوله: " الضَّلالة ".

الوجه الثاني: أن ينتصب " فريقاً " على الحال من فاعل " تَعُودُونَ " [أي: تعودون] فريقاً مَهْدِيّاً، وفريقاً حاقّاً عليه الضلالة، وتكون الجملتان الفعليَّتان على هذا في محلِّ نصب على النَّعت لـ " فريقاً " و " فريقاً " ، ولا بدَّ حينئذٍ من حذف عائدٍ على الموصوف من " هدى " أي: فريقاً هداهم، ولو قدَّرته " هَدَاهُ " بلفظ الإفراد لجاز، اعتباراً بلفظ " فَرِيق " ، إلاَّ أنَّ الأوَّل أحسن لمناسبة قوله: { وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ } ، والوقف حينئذ على قوله، " الضَّلالَةُ " ، ويؤيِّد إعرابه حالاً قراءة أبي بن كعب: " تعُودُون فريقين: فريقاً هدى، وفريقاً حقَّ عليهم الضَّلالة " فـ " فريقين " نُصب على الحَالِ، و " فريقاً " وفريقاً بدل، أو منصوب بإضمار أعني على القطع، ويجوز أن ينتصب " فريقاً " الأول على الحال من فاعل " تعودون " و " فريقاً " الثاني نصب بإضمار فعل يفسره { حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ } كما تقدَّم تحقيقه في كل منهما.

وهذه الأوجه كلها ذكرها ابن الأنباري، فإنَّهُ قال كلاماً حسناً، قال - رحمه الله -: " انتصب فريقاً وفريقاً على الحال من الضَّميرِ الذي في " تعودون " ، يريدُ: تعودون كما ابتدأ خلقكم مختلفين، بعضكم أشْقِيَاء وبعضكم سعداء، فاتصل " فريقٌ " وهو نكرة بالضَّمِير الذي في " تَعُودُونَ " وهو معرفة فقُطِع عن لَفْظِهِ، وعُطف الثاني عليه ".

قال: ويجوز أن يكون الأوَّل منصوباً على الحال من الضَّمير، والثاني منصوبٌ بـ { حَقَّ علَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ }؛ لأنَّهُ بمعنى أضلَّهم، كما يقول القائل " عبد الله أكرمته، وَزَيْداً أحسنت إليه " فينتصب زيداً بـ " أحْسَنْتُ إلَيْه " بمعنى نَفَعْته؛ وأنشد: [الوافر]

السابقالتالي
2