الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ }

قال ابن عباس: أمر ربِّي بـ " لا إله إلا الله " لقوله تعالى:شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ } [آل عمران: 18] إلى قوله:قَآئِماً بِٱلْقِسْطِ } [آل عمران: 18].

وقال الضحاك: هو بالتوحيد.

وقال مُجَاهِدٌ: والسُّدِّيُّ: بالعدل.

قوله: " وأقِيمُوا " فيه وجْهَانِ:

أظهرهما: أنَّهُ مَعْطُوفٌ على الأمْرِ المقدر أي الذي ينحل إليه المصدر، وهو " بالقِسْطِ " وذلك أنَّ القِسْط مصدر فهو ينحل لحرف مصدري، وفعل، فالتَّقديرُ: قل: أمر ربي بأن أقسطوا وأقيموا، وكما أنَّ المصدر ينحلُّ إلى " أنَّ والفعل الماضي " نحو: عَجِبْتُ من قِيَام زَيْدٍ وخرج، أي: من أن قام، وخَرَجَ ولـ " أن " وللفعل المضارع كقولها: [الوافر]
2449 - لَلُبْسُ عَباءَةٍ وتَقرَّ عَيْنِي   .........................
أي: لأن ألبس عباءة وتقر، كذلك ينحل لـ " أنَّ " وفعل أمر؛ لأنَّهَا توصل بالثَّلاث الصِّيغ: الماضي والمُضارع والأمر بشرط التَّصَرُّف، وقد تقدَّم تحقيقُ هذه المسألة وإشكالها وجوابُهُ.

وهذا بخلاف " ما " فإنَّهَا لا تُوصَلُ بالأمْرِ، وبخلاف " كي " فإنَّهَا لا توصل إلا بالمُضَارِع، فلذلك لا ينحلُّ المصدر إلى " ما " وفعل أمر، ولا إلى " كي " وفعل ماضي أو مضارع.

وقال الزَّمخْشَرِيُّ: وقل أقيموا وجوهكم أي: اقصدوا عبادته، وهذا من الزَّمَخْشَرِيِّ يحتمل تأويلين:

أحدهما: أن يكون قوله " قل " أراد أنه مقدر غير هذا الملفوظ به فيكون " وأقيموا " معمولاً لقول أمر مقدر، وأن يكون معطوفاً على قوله: " أمر رَبِّي " فإنه معمول لـ " قل " وإنما أظهر الزَّمَخْشرِيُّ " قُلْ " مع أقِيمُوا لتحْقيق عطفيته على " أمر رَبِّي ".

ويجوز أن يكُون قوله " وأقِيمُوا " معطوفاً على أمْرٍ محذوف تقديره قل: أقبلوا وأقيموا.

وقال الجُرْجانِيُّ صاحب " النَّظْمِ ": نسق الأمر على الجر وجاز ذلك؛ لأنَّ قوله { قُلْ أَمَرَ رَبِّي } قول لأن الأمْرَ لا يكُونُ إلا كلاماً، والكلام قول، وكأنه قال: قل: يقول ربي: أقسطوا وأقيموا، يعني أنَّهُ عطف على المعنى.

و " مسجد " هنا يحتمل أن يكون مَكَاناً وزماناً.

قال الزَّمَخْشَرِيُّ: في وقت كلِّ سُجُودٍ، وفي مكان كلِّ سُجُودٍ، وكان من حَقِّ " مسجد " بفتح العين لضمها في المضارع، وله في هذا الشذوذ أخوات كثيرة مذكورة في التَّصريفِ.

فصل في المراد بـ " أقيموا وجوهكم "

قال مجاهد والسدي: معنى { وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } وجهوا حَيْثُ ما كنتم في الصَّلاةِ إلى الكَعْبَةِ.

وقال ابْنُ عبَّاس والضحاك: إذا حضرت الصَّلاةُ، وأنتم عند مَسْجِدٍ فصلُّوا فيه ولا يقولن أحدكُم أصلي في مَسجْدِي.

وقيل: معناه: اجعلوا سجودكم للَّهِ خَالِصاً، والسبب في ذكر هذين القولين أنّ إقامة الوجه في العبادة قد تكون باستقبال القِبْلَةِ، وقد تكون بالإخلاص في تلك العِبَادَةِ.

السابقالتالي
2 3