الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ }

قوله: " وقَاسَمَهُمَا " المفاعلةُ هنا يحتمل أن تكُونَ على بابها فقال الزَّمَخْشَرِيُّ: " كأنَّهُ قال لهما: أقْسِمُ لكُمَا إنِّي لمن النَّاصِحِينَ، وقالا له: أتقسمُ باللَّهِ أنت إنَّكَ لمن الناصحين لنا فجعل ذلك مُقَاسمَةً بَيْنَهُم، أو أقسم لهما بالنَّصِيحَةِ، وأقسما له بقبُولِهَا، أو أخرج قسم إبليس على وزن المُفَاعَلَةِ؛ لأنَّهُ اجْتَهَد فيها اجتهاد المُقَاسِمِ ".

وقال ابْنُ عطيَّة: " وقَاسَمَهُمَا " أي: حَلَفَ لهما، وهي مفاعلة إذْ قَبُولُ المحلوف له، وإقباله على معنى اليمينِ كالقسم وتقريره: وإنْ كان بَادِىء الرَّأي يعطي أنَّها من واحد ويحتمل أنَّ " فاعل " بمعنى " أفعل " كبَاعَدْته، وأبْعَدْتُهُ، وذلك أنَّ قوله الحَلْف إنَّما كان من إبليس دونهما، وعليه قول خالدِ بْن زُهير: [الطويل]
2431 – وَقَاسَمَها باللَّهِ جَهْداً لأنْتُمُ   ألَذُّ مِنَ السَّلْوَى إذَا مَا نَشُورُهَا
قال قتادةُ: حلف لهما بالله حتى خَدَعَهُمَا، وقد يُخْدَعُ المُؤمِنُ بالله.

{ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } أي: قال إبليس: إنِّي حلفت قبلكما، وأنا أعلم أحْوالاً كثيرةً من المصالحِ والمفاسد، لا تَعْرِفَانها، فامْتَثِلاَ قولي أرشِدكُمَا، وإبليسُ أوَّلُ من حَلَفَ باللَّهِ كاذباً، فلمَّا حلف ظن آدم أنَّ أحداً لا يحلف بالله إلاَّ صَادِقاً فاغتر به.

قوله: { لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِين } يجوز في " لَكُمَا " أن تتعلق بما بعده على أن " أل " معرفة لا موصولة، وهذا مذهبُ أبي عُثْمان، أو على أنَّها موصولةٌ، ولكن تُسُومح في الظَّرْفِ وعديله ما لا يتسامح في غيرهما اتِّسَاعاً فيهما لدورانهما في الكلام، وهو رَأيُ بعض البَصْريِّين، وأنْشَدَ: [الرجز]
2432 – رَبَّيْتُهُ حَتَّى إذا تَمَعْدَدَا   كَانَ جَزائِي بالعَصَا أنْ أُجْلَدَا
فـ " بِالعَصَا " متعلِّقٌ بأجْلَدا وهو صلة أنْ، أو أن ذلك جائزٌ مطلقاً، ولو في المفعول به الصَّريح، وهو رأي الكوفيين وأنشدوا: [الكامل]
2433 -....................   وَشِفَاءُ غَيِّكِ خَابِراً أنْ تَسْألِي
أي: أن تسألي خابراً، أو أنَّهُ متعلِّقٌ بمحذوف على البيانِ أي: أعني لَكُمَا كقولهم: سُقْياً لك، ورَعْياً، أو تعلَّقَ بمحذوف مدلول عليه بِصِلَةِ أل أي: إنِّي نَاصِحٌ لَكُمَا، ومثل هذه الآية الكريمة:إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ ٱلْقَالِينَ } [الشعراء: 168]،وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ } [يوسف: 68].

وجعل ابن مالك ذلك مطَّرداً في مَسْألةِ أل الموصولة إذا كانت مجرورة بـ " من ".

ونَصَحَ يتعدَّى لواحدٍ تارَةً بنفسه، وتارةً بحرف الجرِّ، ومثله شَكَرَ، وقد تقدَّمَ، وكال، ووزن. وهل الأصلُ التعدِّي بحرف الجر والتَّعدِّي بنفسه، أو كل منهما أصْلٌ؟ الرَّاجِحُ الثَّالِثُ.

وزعم بعضُهم أنَّ المفعول في هذه الأفْعَالِ محذوفٌ، وأنَّ المجرور باللاَّم هي الثَّاني، فإذا قُلْتَ: نَصَحْتُ لِزَيْدٍ فالتقديرُ: نصحتُ لزيدٍ الرَّأيَ، وكذلك شَكَر له صنيعه وكِلْتُ له طعامه وَوَزَنْتُ له متاعه فهذا مَذْهَبٌ رابع.

وقال الفرَّاءُ: " العربُ لا تَكَادُ تقول: نَصَحْتُكَ، إنَّمَا يَقُولُونَ نَصَحْتُ لك وأنْصَحُ لك " ، وقد يجوز نصحتك.

السابقالتالي
2