الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ }

قوله: " فوَسْوَسَ لَهُمَا " أي: فَعَلَ الوَسْوَسَةَ لأجلهما.

والفَرْقُ بين وسْوَسَ له وَوسْوَسَ إليه أنَّ وَسْوَسَ له بمعنى لأجله كما تقدَّم، وَوَسْوَسَ إليه ألْقَى إلَيْه الوَسْوَسَةَ.

والوَسْوَسَةُ: الكلام الخفيُّ المكرر، ومثله الوسْواسُ وهو صوتُ الحليِّ، والوسوسَةُ أيضاً الخَطْرَةُ الرَّديئَةُ، وَوَسْوَسَ لا يتعدَّى إلى مَفْعُولٍ، بل هو لاَزِمٌ كقولنا: وَلْوَلَتِ المَرْأةُ، ووعْوَعَ الذِّئْبُ ويقالُ: رجلٌ مُوَسْوِسٌ بِكَسْرِ الوَاوِ، ولا يُقَالُ بفتحها، قالهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ.

وقال غيره: يقال: مُوَسْوَس له، ومُوَسْوَس إليه.

وقال اللَّيْثُ: " الوَسْوَسَةُ حديثُ النَّفْس، والصَّوْتُ الخَفِيُّ من ريحٍ تَهُزُّ قصباً ونحوه كالهَمْسِ ". قال تعالىوَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } [ق: 16].

وقال رُؤبَةُ بْنُ العَجَّاج يَصِفُ صَيَّاداً: [الرجز]
2429 - وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً رَبَّ الفَلَقْ   لَمَّا دَنَا الصَّيْدُ دَنَا مِنَ الوَهَقْ
أي: لما أراد الصَّيدَ وسوس في نَفْسِهِ: أيُخْطىء أم يُصِيبُ؟ وقال الأزْهَرِيُّ: " وسْوَسَ ووَزْوَزَ بمعنًى واحد ".

فإن قيل: كيف وَسْوَسَ إليه، وآدم كان في الجَنَّةِ وإبليس أخرج منها؟

فالجوابُ: قال الحسن: كان يُوَسْوِسُ من الأرْض إلى السَّمَاءِ وإلى الجِنَّةِ بالقُوَّةِ الفَوْقيَّةِ التي جعلها له.

وقال أبُو مُسْلِمٍ الأصْفهانِيُّ: بَلْ كان آدمُ وإبليسُ في الجنَّةِ؛ لأنَّ هذه الجنَّةَ كانت بعض جنات الأرض، والذي يقوله بعض النَّاس من " أنَّ إبليس دخل الجنَّة في جَوْف الحيَّةِ ودخلت الحيَّة في الجنَّةِ " فتلك القصة ركيكةٌ ومشهورةٌ.

وقال آخَرُون: إنَّ آدم وحَوَّاءَ ربما قَرُبَا من باب الجَنَّةِ، وكان إبليس واقفاً من خارج الجَنَّةِ على بَابها فيقْرُبُ أحَدُهُمَا من الآخر فتحصل الوسْوسَةُ هناك.

فإن قيل: إنَّ آدم - عليه السلام - كان يَعْرِفُ ما بينه وبين إبليسَ من العداوةِ، فَكَيْفَ قبل قوله؟

فالجواب: [لا يَبْعُد أنْ يُقال إنَّ إبليسَ لَقِيَ آدَمَ مِراراً كثيرةً، ورَغَّبَهُ في أكْلِ الشَّجَرَة بِطُرُقٍ كثيرةٍ؛ فلأجْل] المواظبة والمداومة على هذا التمويه أثَّر كلامه عنده وأيضاً فقال تعالى:وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 21] أي: حَلَفَ لهما فاعْتَقَدُوا أنَّ أحَداً لا يَحْلِفُ كاذباً فلذلك قبل قوله.

قوله: " لِيُبْدِيَ لَهُمَا " في " لام " لِيُبْدِي " قولان:

أظهرهما: أنها لامُ العِلَّةِ على أصلها؛ لأنَّ قَصْدَ الشَّيْطانِ ذلك.

وقال بعضهم: " اللاَّمُ " للِصَيْرُورةِ والعاقِبَةِ، وذلك أنَّ الشَّيْطَانَ لم يكن يعلم أنَّهُمَا يعاقبان بهذه العُقُوبَة الخَاصَّةِ، فالمعنى: أن أمْرَهُمَا آل إلى ذلك. الجوابُ: أنهُ يجوزُ أنْ يُعْلم ذلك بطريق من الطُّرُق المتقدِّمةِ في قولهوَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف: 17].

ومعنى قوله: " لِيُبْدِيَ لَهُمَا " ليظهر لهما ما غُطِّي وسُتِرَ عنهما من عوراتهما.

قوله: " مَا وُوْري " " مَا " موصولة بمعنى الذي، وهي مفعول لـ " لِيُبْدِي " أي: لِيُظْهِرَ الذي سُتِرَ.

السابقالتالي
2 3 4