قوله: " فوَسْوَسَ لَهُمَا " أي: فَعَلَ الوَسْوَسَةَ لأجلهما. والفَرْقُ بين وسْوَسَ له وَوسْوَسَ إليه أنَّ وَسْوَسَ له بمعنى لأجله كما تقدَّم، وَوَسْوَسَ إليه ألْقَى إلَيْه الوَسْوَسَةَ. والوَسْوَسَةُ: الكلام الخفيُّ المكرر، ومثله الوسْواسُ وهو صوتُ الحليِّ، والوسوسَةُ أيضاً الخَطْرَةُ الرَّديئَةُ، وَوَسْوَسَ لا يتعدَّى إلى مَفْعُولٍ، بل هو لاَزِمٌ كقولنا: وَلْوَلَتِ المَرْأةُ، ووعْوَعَ الذِّئْبُ ويقالُ: رجلٌ مُوَسْوِسٌ بِكَسْرِ الوَاوِ، ولا يُقَالُ بفتحها، قالهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ. وقال غيره: يقال: مُوَسْوَس له، ومُوَسْوَس إليه. وقال اللَّيْثُ: " الوَسْوَسَةُ حديثُ النَّفْس، والصَّوْتُ الخَفِيُّ من ريحٍ تَهُزُّ قصباً ونحوه كالهَمْسِ ". قال تعالى{ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } [ق: 16]. وقال رُؤبَةُ بْنُ العَجَّاج يَصِفُ صَيَّاداً: [الرجز]
2429 - وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً رَبَّ الفَلَقْ
لَمَّا دَنَا الصَّيْدُ دَنَا مِنَ الوَهَقْ
أي: لما أراد الصَّيدَ وسوس في نَفْسِهِ: أيُخْطىء أم يُصِيبُ؟ وقال الأزْهَرِيُّ: " وسْوَسَ ووَزْوَزَ بمعنًى واحد ". فإن قيل: كيف وَسْوَسَ إليه، وآدم كان في الجَنَّةِ وإبليس أخرج منها؟ فالجوابُ: قال الحسن: كان يُوَسْوِسُ من الأرْض إلى السَّمَاءِ وإلى الجِنَّةِ بالقُوَّةِ الفَوْقيَّةِ التي جعلها له. وقال أبُو مُسْلِمٍ الأصْفهانِيُّ: بَلْ كان آدمُ وإبليسُ في الجنَّةِ؛ لأنَّ هذه الجنَّةَ كانت بعض جنات الأرض، والذي يقوله بعض النَّاس من " أنَّ إبليس دخل الجنَّة في جَوْف الحيَّةِ ودخلت الحيَّة في الجنَّةِ " فتلك القصة ركيكةٌ ومشهورةٌ. وقال آخَرُون: إنَّ آدم وحَوَّاءَ ربما قَرُبَا من باب الجَنَّةِ، وكان إبليس واقفاً من خارج الجَنَّةِ على بَابها فيقْرُبُ أحَدُهُمَا من الآخر فتحصل الوسْوسَةُ هناك. فإن قيل: إنَّ آدم - عليه السلام - كان يَعْرِفُ ما بينه وبين إبليسَ من العداوةِ، فَكَيْفَ قبل قوله؟ فالجواب: [لا يَبْعُد أنْ يُقال إنَّ إبليسَ لَقِيَ آدَمَ مِراراً كثيرةً، ورَغَّبَهُ في أكْلِ الشَّجَرَة بِطُرُقٍ كثيرةٍ؛ فلأجْل] المواظبة والمداومة على هذا التمويه أثَّر كلامه عنده وأيضاً فقال تعالى:{ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 21] أي: حَلَفَ لهما فاعْتَقَدُوا أنَّ أحَداً لا يَحْلِفُ كاذباً فلذلك قبل قوله. قوله: " لِيُبْدِيَ لَهُمَا " في " لام " لِيُبْدِي " قولان: أظهرهما: أنها لامُ العِلَّةِ على أصلها؛ لأنَّ قَصْدَ الشَّيْطانِ ذلك. وقال بعضهم: " اللاَّمُ " للِصَيْرُورةِ والعاقِبَةِ، وذلك أنَّ الشَّيْطَانَ لم يكن يعلم أنَّهُمَا يعاقبان بهذه العُقُوبَة الخَاصَّةِ، فالمعنى: أن أمْرَهُمَا آل إلى ذلك. الجوابُ: أنهُ يجوزُ أنْ يُعْلم ذلك بطريق من الطُّرُق المتقدِّمةِ في قوله{ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف: 17]. ومعنى قوله: " لِيُبْدِيَ لَهُمَا " ليظهر لهما ما غُطِّي وسُتِرَ عنهما من عوراتهما. قوله: " مَا وُوْري " " مَا " موصولة بمعنى الذي، وهي مفعول لـ " لِيُبْدِي " أي: لِيُظْهِرَ الذي سُتِرَ.