الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }

قال مُجَاهِدٌ: " شكٌّ، والخِطَابُ للرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم والمرادُ به الأمة، ويُسَمَّى الشكُّ حَرَجاً؛ لأن الشَّاكَّ ضَيِّقُ الصَّدْرِ كما أن المتيقن منشرح القَلْبِ ".

وقال أبُو العالية رحمة الله عليه، حَرَجٌ: ضِيقٌ، والمعنى: لا يَضِيقُ صدركَ بسبب أن يكذِّبُوكَ في التَّبْلِيعِ.

قال الكيا: فظاهرُهُ النَّهْي ومعناه: نَفْيُ الحَرَج عنه صلى الله عليه وسلم أي: لا يضيقُ صَدْرُكَ ألاَّ يؤمنوا به فإنَّمَا عليك منه البلاغ وليس عليك سوى الإنْذَارِ به، ومثله قوله عزَّ وجلَّ:لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 3].

قوله: " مِنْهُ " متعلق بـ " حَرَجٌ ". و " مِنْ " سببيَّةٌ أي حرج بسببه تقول: حَرِجْتُ منه أي: ضقْتُ بسببه، ويجوز أن يتعلَّقَ بمحذوف على أنَّهُ صفةٌ له أي: حَرَجٌ كَائِنٌ وصادر منه، والضَّمِيرُ في " مِنْهُ " يجوز أن يعود على الكِتابِ وهو الظَّاهِرُ، ويجوزُ أن يعود على الإنزالِ المدلول عليه بـ " أُنْزِلَ " ، أو عَلى الإنذارِ، أو على التَّبْليغِ المدلُولِ عليهما بسياق الكلامِ، أو على التَّكْذِيبِ الَّذِي تضمنه المعنى، والنهي في الصُّورةِ للحَرَج، والمرادُ الصَّادِرُ منه مبالغةً في النَّهْيِ عن ذلك كأنَّهُ قيل: لا تتعاطى أسباباً ينشأ عنها حرج، وهو من باب " لا أرَيَنَّك ههنا " ، النهي متوجه على المتكلم والمراد به المخاطب كأنه قال: لا تكن بحضرتي فأراك ومثله:فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } [طه: 16].

قوله: " لتُنْذِرَ بِهِ " في متعلق هذه " اللاَّم " ثلاثة أوجه.

أحدها: أنَّها متعلِّقة بـ " أنْزِلَ " أي: أنْزِلَ إليك للإنذار، وهذا قول الفرَّاء قال: اللاَّم في " لِتُنْذِرَ " منظومٌ بقوله: " أُنْزِلَ " على التَّقْديمِ والتَّأخِير، على تقدير: كتاب " أُنْزِلَ إليك لِتُنْذِرَ بِهِ فلا يَكُنْ ". وتبعه الزَّمَخْشَرِيُّ والحُوفِيُّ، وأبُو البقاءِ على ذلك، وعلى هذا تَكُونُ جُمْلَةُ النَّهْي معترِضَةً بَيْنَ العِلَّة ومعلولها، وهو الذي عناه الفرَّاءُ بقوله: " على التَّقْدِيم والتَّأخير ".

والثاني: أنَّ اللامَ متعلِّقةٌ بما تعلَّقَ به خَبَرُ " الكَوْنِ " إذ التقدير: فلا يكن حَرَجٌ مستقراً في صَدْرِكَ لأجْلِ الإنْذَارِ. كذا قاله أبو حيَّان عن الأنْبَارِيِّ، فإنَّهُ قال: " وقال ابْنُ الأنْبَارِيّ: التقدير: فلا يكن في صدرك حرجٌ منه كي تُنْذِرَ بِهِ فجعله متعلقاً بما تعلَّق به " في صَدْرِكَ " ، وكذا علَّقه به صاحبُ " النَّظْمِ " ، فعلى هذا لا تكون الحملة معترضة ".

قال شهابُ الدِّين: الذي نقله الواحديُّ عن نصِّ ابْنِ الأنباريِّ في ذلك أن " اللاَّمَ " متعلِّقةٌ بـ " الكون " ، وعن صاحب " النَّظْمِ " أنَّ اللاَّمَ بمعنى " أنْ " وسنأتي بنصَّيْهما إن شاء الله تعالى، فيجوز أن يكون لهما كلامان.

السابقالتالي
2 3