الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ }

قوله: " إنَّ الذينَ " العامَّةُ على تشديدِ إنَّ والموصولُ اسمها، وعبادٌ خبرها، وقرأ سعيدُ بنُ جبيرٍ بتخفيف إنْ ونصب عباد وأمثالكم، وخرَّجها ابن جني وغيره أنها إنْ النَّافيةُ وهي عاملةُ عمل ما الحجازية وهو مذهب الكسائي وأكثر الكوفيين غير الفراء، وقال به من البصريين: ابن السراج والفارسي وابن جنِّي، واختلف النقل عن سيبويه والمبرد، والصحيحُ أنَّ إعمالها لغةٌ ثاتبة نظماً ونثراً؛ وأنشدوا: [المنسرح]
2649 - إنْ هُوَ مُسْتَوْلِياً على أحَدٍ   إلاَّ على أضْعَفِ المجانينِ
ولكن قد استشكلوا هذه القراءة من حيث إنها تنفي كونهم عباداً أمثالهم، والقراءة الشهيرة تُثْبِتُ ذلك ولا يجوزُ التَّناقض في كلام اللَّهِ تعالى.

وقد أجَابُوا عن ذلك بأنَّ هذه القراءة تُفْهِمُ تحقير أمرِ المعبودِ من دون اللَّهِ وعبادة عابِدِه.

وذلك أنَّ العابدين أتَمُّ حَالاً وأقدرُ على الضرِّ والنَّفْعِ من آلهتهم فإنَّهَا جمادٌ لا تفعل شيئاً من ذلك، فكيف يَعْبُدُ الكاملُ من هُو دُونَه؟ فهي موافقةٌ للقراءة المتواترة بطريق الأولى.

وقد ردَّ أبو جعفرٍ هذه القراءة بثلاثة أوجه:

أحدها: أنَّهَا مخالفةٌ لسواد المصحفِ.

والثاني: أن سيبويه يختار الرفع في خبر إنْ المخففة فيقول: " إنْ زيدٌ منطلقٌ "؛ لأنَّ عمل ما ضعيف وإنْ بمعناها، فهي أضعف منها.

الثالث: أنَّ الكسائي لا يرى أنَّهَا تكون بمعنى ما إلاَّ أن يكون بعدها إيجاب، وما ردَّ به النَّحَّاسُ ليس بشيءٍ؛ لأنَّهَا مخالفةٌ يسيرة.

قال أبُو حيان: يجوزُ أن يكون كتب المنصوب على لغة ربيعة في الوقف على المنون المنصوب بغير ألف، فلا تكون مخالفةً للسَّواد.

وأمَّا سيبويه فاختلف النَّاسُ في الفهم عنه في ذلك.

وأمَّا الكسائيُّ فهذا القيد غير معروف له.

وخرَّج أبو حيَّان القراءة على أنَّها إنْ المخففة.

قال: وإنْ المخففة تعمل في القراءة المتواترة كقراءة { وَإِنَّ كُـلاًّ } [هود: 111] ثُمَّ إنَّها قد ثبت لها نصبُ الجُزأين؛ وأنشد: [الطويل]
2650 -.......................   إنَّ حُرَّاسنَا أُسْدَا
قال: وهي لغة ثابتة ثم قال: فإن تأوَّلُوا ما ورد من ذلك؛ نحو: [الرجز]
2651 - يَا لَيْتَ أيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعا   
أي: تُرَى رواجعاً، فكذلك هذه يكون تأويلها: إن الذين تدعون من دون الله خلقناهم عباداً أمثالكم.

قال شهابُ الدِّين: فيكون هذا التَّخريج مبنياً على مذهبين.

أحدهما: إعمالُ المخفَّفة.

وقد نصَّ جماعة من النحويين على أنَّه أقل من الإهمال، وعبارة بعضهم أنَّهُ قليل، ولا أرتضيه قليلاً لوروده في المتواتر.

الثاني: أنَّ إنَّ وأخواتها تنصب الجزأين، وهو مذهبٌ مرجوح، وقد تحصَّل في تخريج هذه القراءة ثلاثةُ أوجه: كون إنْ نافية عاملة، والمخففة الناصبة للجزءين، أو النصب بفعل مقدر هو خبر لها في المعنى.

وقرأ بعضهم إنْ مخففة، عباداً نصباً أمثالكم رفعاً، وتخريجها على أن تكونَ المخففة وقد أهملت والذين مبتدأ، و " تَدْعُونَ " صلتها والعائدُ محذوف، وعباداً حال من ذلك العائد المحذوفِ، أمثالكُم خبره، والتقدير: إنَّ الذين تدعونهم حال كونهم عباداً أمثالكم في كونهم مخلوقين مملوكين، فكيف يُعْبَدُون؟

ويضعفُ أن يكون الموصول اسماً منصوب المحل؛ لأن إعمال المخففة كما تقدَّم قليلٌ.

السابقالتالي
2 3