الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } * { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ }

قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } الآية.

اعلم أنَّهُ تعالى رجع هنا إلى تقرير التَّوحيدِ، وإبطال الشرك.

قال ابنُ عبَّاسٍ: المرادُ بالنفس الواحدة آدم - عليه الصلاة والسلام -وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [النساء: 1] أي حواء خلقها اللَّهُ من ضلع آدم - عليه الصلاة والسلام - من غير أذَى ليسكن إليها أي: ليأنس بها ويأوي إليها قالوا: والحكمة في كونها مخلوقة من نفس آدم: أنَّ الجنسَ أميل إلى جِنْسهِ.

قال ابنُ الخطيبِ: وهذا مشكل؛ لأنَّهُ تعالى لمَّا كان قادراً على خلق آدم ابتداء فما الذي يحملنا على أن نقُولَ خلق حواء من جزء من أجزاء آدم؟ ولِمَ لم نقل إنَّهُ تعالى خلق حواء أيضاً ابتداء؟ وأيضاً فالقادرُ على خلق الإنسان من عظم واحد لِمَ لا يقدر على خلقه ابتداء؟ وأيضاً فقولهم إنَّ عدد أضلاع الجانب الأيسرِ من الذَّكرِ أنقص من عدد أضلاع الجانب الأيمن بشيء واحد، على خلاف الحسن والتَّشريح. وإذا عرف ذلك فنقول: المرادُ من كلمة مِنْ في قوله: { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } أنَّ الإشارة إلى شيءٍ تكون تارة بحسب شخصه، وتارة بحسب نوعه.

قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هَذَا وضُوءٌ لا يَقْبَلُ اللَّهُ الصلاة إلاَّ بِهِ.

والمرادُ نوعه لا ذلك الفرد المعين، وقال - عليه الصَّلاةُ والسَّلام - في يوم عاشوراء هَذَا هُو اليومُ الذي أظهر اللَّهُ فيه موسى على فِرعون والمُرادُ: نوعه.

وقال تعالى:وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } [البقرة: 35] والمرادُ نوعها لا شخصها فكذا ههنا.

{ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } أي: وخلق من نوع الإنسان زوج آدم، أي: جعل زوج آدم إنساناً مثله، " فلمَّا تَغشَّاهَا " أي واقعها وجامعها: { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } وهو أوَّلُ ما تحمل المرأة من النُّطفةِ يكون خفيفاً عليها: " فَمَرَّتْ بِهِ " أي: استمرَّت به، وقامت وقعدت به لم يثقلها.

قوله حَمْلاً المشهورُ أنَّ الحَمل بالفتح ما كان في بطن أو على رأس شجرة، وبالكسر ما كان على ظهر أو رأس غير شجرة. وحكى أبُو عُبيدٍ في حمل المرأةِ: حَمْل وحِمْل.

وحكى يعقوبُ في حمل النَّخْلةِ: الكسر، والحمل في الآية يجوزُ أن يُرادَ به المصدرُ فينتصب انتصابهُ، وأن يُرادَ به نفسُ الجنين، وهو الظَّاهِرُ، فينتصب انتصابَ المفعُولِ به، كقولك: حَمَلْتُ زيداً.

قوله: " فَمَرَّتْ " الجمهور على تشديد الراء، أي: استمرت به، أي: قامت وقعدت.

وقيل: هو على القلب أي: فمَرَّ بها أي: استمرَّ ودام.

وقرأ ابنُ عبَّاسٍ: وأبو العالية ويحيى بن يعمر، وأيوب: فَمَرَتْ خفيفه الرَّاءِ، وفيها تخريجان:

أحدهما: أنَّ أصلها التشديد، ولكنهم كرهوا التضعيف في حرف مُكرر فتركوه، وهذه كقراءة:وَقَرْنَ } [الأحزاب: 33] بفتح القاف إذَا جعلناهُ من القرارِ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7