الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }

فـ " مذؤوماً مَدْحُوراً " حالان من فاعل " اخرج " عند من يجيز تعدد الحال لذي حال واحدة، ومَنْ لا يُجيز ذلك فـ " مَدْحُوراً " صفة لـ " مذؤوماً " أو هي حالٌ من الضَّمير في الجارِّ قَبْلَهَا، فيكونُ الحالانِ مُتَدَاخِلَيْنِ.

و " مَذْءُوماً مَدْحُوراً " اسما مفعول مِنْ: ذَأمَهُ وَدَحَرَهُ. فأمَّا ذَأمَهُ فيقالُ: بالهمز: ذَأمَه، يَذْأمُهُ كرَأمَه يَرْأمُهُ، وذَامَهُ يَذِيمُهُ كبَاعَه يَبِيعُهُ من غَيْر هَمْزٍ، وعليه قولهم: " لنْ تَعْدَمَ الحَسْنَاءُ ذَاماً " يروى بهمزةٍ ساكنةٍ أو ألف، وعلى اللُّغَةِ الثَّانية قول الشاعر: [الطويل]
2424 - تَبِعْتُك إذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ   فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أذِيمُهَا
فَمَصْدَرُ المَهمُوز: ذأمٌ كرَأس، وأمَّا مصدر غير المهموز فَسُمِعَ فيه ذامٌ بألف، وحكى ابْنُ الأنْبَارِيِّ فيه ذيماً كينعٍ قال: يقال: ذأمْتُ الرَّجُلَ أذْأمُه، وذِمْتُه أذِيْمُه ذَيْماً، وذَمَمْتُه أذُمُّه ذَمًّا بمعنًى؛ وأنشد: [الخفيف]
2425 - وأقَامُوا حَتَّى أبِيرُوا جَمِيعاً   فِي مقَامٍ وكُلُّهُمْ مَذْءُومُ
والذامَُّّ: العَيْبُ ومنه المثلُ المتقدِّمُ: " لن تَعْدَمَ الحَسْنَاءُ ذاماً " أي كُلُّ امرأة حسنة لا بدَّ أن يكون فيها عيب ما وقالوا: " أرَدْتَ أنْ تُذيمَهُ فمَدَهْتَهُ " أي: " تُعيُبُه فَمَدحْتَهُ " فأبدل الحاء هاء: وقيل: الذَّامُ: الاحتقارُ، ذَأمْتُ الرجل: أي: احْتَقَرْتُهُ، قاله الليثُ.

وقيل: الذَّامُ الذَّمُّ، قاله ابن قيتبة وابن الأنْبَاريِّ؛ قال أمّيَّةُ: [المتقارب]
2426 - وَقَالَ لإبْلِيسَ رَبُّ العِبَادِ   [أن] اخْرُجْ لَعِيناً دَحِيراً مَذُومَا
والجمهور على " مَذْءُوماً " بالهمز.

وقرأ أبُو جَعْفَرٍ والأعمشُ والزُّهْرِيُّ " مَذُوْماً " بواوٍ واحدةٍ من دون همز وهي تَحْتَمِلُ وجهين:

أحدهما - ولا ينبغي أن يُعْدَلَ عنه - أنَّهُ تَخْفِيف " مذؤوماً " في القراءةِ الشَّهيرةِ بأن أُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الهَمْزَةِ على الذَّالِ السَّاكنة، وحُذِفَت الهَمْزَةُ على القاعدةِ المُشْتَهِرَةِ في تَخْفيفٍ مثله، فوزن الكلمة آل إلى " مَفُول " لحَذْفِ العَيْنِ.

والثاني: أنَّ هذه القراءة مَأخُوذَةٌ من لغة مَنْ يَقُولُ: ذِمْتُه أذِيمُهُ كبِعْتُهُ أبِيعُهُ، وكان من حقِّ اسم المَفْعُولِ في هذه اللُّغَةِ مَذِيمٌ كمبيع قالوا: إلا أنَّهُ أبْدِلَتِ الواوُ من اليَاءِ على حدِّ قولهم " مَكُولٌ " في " مَكِيلٍ " مع أنَّهُ من الكيل ومثلُ هذه القراءةِ في احْتِمالِ الوجهين قول أمَيَّةَ بْنِ أبي الصَّلْتِ في البيت المُتقدِّمِ أنشده الواحِديُّ على لغةِ " ذَامَهُ " بالألف " يَذِيمُهُ " بالياء، ولَيْتَهُ جعله محتملاً للتَّخْفِيفِ من لُغَةِ الهَمْزِ.

والدَّحْرُ: الطَّرْدُ والإبْعَادُ يقال: دَحَرَهُ، يَدْحَرُهُ دَحْراً، ودُحوراً؛ ومنه:وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً } [الصافات: 9،8]؛ وقول أمَيَّةَ في البيت المتقدم " لَعِيناً دَحِيراً ".

وقوله أيضاً: [الكامل]
2427 - وبإذْنِهِ سَجَدُوا لآدَمَ كُلُّهُمْ   إلاَّ لَعِيناً خَاطِئاً مَدْحُوراً
وقال الآخرُ: [الوافر]

السابقالتالي
2 3