الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ }

قوله تعالى: { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً } الآية.

هذه الآية تدلُّ على أن المراد بقوله:لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } [الأعراف: 167] جملة اليهود، ومعنى " قَطَّعناهُم " أي: فرقناهم في الأرض، وهذا يدلُّ على أنَّهُ لا أرض مسكونة إلاَّ وفيها منهم أمة، وهذا هو الغالبُ.

وقوله: " أمَماً " إمَّا حالٌ من مفعول " قطَّعْنَاهُم " ، وإمَّا مفعولٌ ثانٍ على ما تقدَّم من أنَّ " قطَّع " تضمَّن معنى: صَيَّر. و " مِنْهُمُ الصَّالحُون " صفة لـ " أمم ".

وقال أبو البقاء: " أو بدل منه، أي: من أمم ". يعني: أنَّهُ حالٌ من مفعول: " قطَّعناهُمْ " أي: فرَّقناهُم حال كونهم منهم الصَّالحون.

قيل: المرادُ بـ " الصَّالحينَ " الذين كانوا في زمن موسى - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ -؛ لأنَّهُ كان فيهم قوم يهدون بالحق.

وقال قتادةُ: هم الذين وراء نهر وداف من وراء الصِّين.

وقال ابنُ عباس ومجاهد: هم الذين آمنوا بالنَّبيِّ صلى الله الله عليه وسلم كـ: عبد الله بن سلام وغيره. وقوله: { وَمِنهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ } أي: من أقام على اليهوديِّةِ.

فإن قيل: لم لا يجُوزُ أن يكون قوله: { وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ } من يكون صالحاً إلاَّ أنَّ صلاحَهُ دون صلاح الأولين؛ لأنَّهُ أقرب إلى الظاهرِ؟

فالجوابُ: أن قوله بعد ذلك: " لَعَلَّهُمْ يرجعُونَ " يدُل على أنَّ المراد من ثَبَتَ على اليَهُوديَّةِ.

قوله: { وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } " منهم " خبرٌ مقدم، و " دُون ذلك ": نَعْتٌ لِمنعُوتٍ محذوف هو المبتدأ، والتقدير: ومنهم ناسٌ أو قومٌ دون ذلك.

قال الزمخشري: معناه: ومنهم ناسٌ منحطُّون عن الصَّلاح، ونحوه:وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [الصافات: 164]. بمعنى: مَا منَّا أحدٌ إلاَّ له مقامٌ معلومٌ. يعني في كونه حذف الموصوفُ وأقيم الجملة الوصفية مقامهُ، كما قام مقامه الظرفُ الوصفيُّ، والتفصيل بـ " مِنْ " يجوزُ فيه حذفُ الموصوف وإقامةُ الصِّفة مقامه كقولهم: منَّا ظَعَنَ ومنَّا أقَامَ.؟

وقال ابنُ عطيَّة: فإن أريدَ بالصَّلاح الإيمانُ فـ " دُونَ " بمعنى " غير " يُراد به الكفرة.

قال أبُو حيان: إن أراد أنَّ دُونَ ترادفُ " غيراً " ، فليس بصحيحٍ، وإن أراد أنَّهُ يلزم أنَّ من كان دون شيء أن يكون غيراً له فصحيح، وذلك إمَّا أن يُشارَ به إلى الصَّلاح وإمَّا أن يُشار به إلى الجماعة، فإن أشير به إلى الصلاح؛ فلا بد من حذفِ مضاف، ليصحَّ المعنى، تقديره: ومنهم دُون أهل ذلك الصلاح، ليعتدلَ التقسيم، وإن أُشير به إلى الجماعة، أي: ومنهم دون أولئك الصالحين، فلا حاجة إلى تقدير مضافٍ؛ لاعتدال التقسيم بدونه.

وقال أبو البقاء: دُون ذلِكَ ظرفٌ أو خبر على ما ذكرنا في قوله:

السابقالتالي
2 3 4 5