الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

قوله تعالى: { وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ }.

الظَّاهِرُ أن قَطَّعْنَاهُمُ مُتَعدٍّ لواحد؛ لأنه لمْ يُضَمَّنْ معنى ما يتعدَّى لاثنين، فعلى هذا يكون اثْنَتَيْ حالاً من مفعول: قَطَّعْنَاهُمُ أي: فَرَّقْنَاهم مَعْدُودينَ بهذا العدد.

وجوَّز أبُو البقاءِ أن يكون قَطَّعْنَا بمعنى " صَيَّرْنَا " ، وأن اثْنَتَيْ مفعولٌ ثانٍ وجزم الحُفِيُّ بذلك.

وتمييز: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ محذوف، لفهم المعنى، تقديره: اثْنَتَيْ عشرة فرقةً، و " أسْبَاطاً " بدلٌ من ذلك التمييز. وإنَّما قلتُ إن التَّمييزَ محذوفٌ، ولم أجعل أسْبَاطاً هو المُمَيِّز لوجهين، أحدهما: أنَّ المعدودَ مُذَكَّر؛ لأنَّ أسْبَاطاً جمع " سِبْط " فكان يكون التركيبُ: اثني عشر.

الثاني: أنَّ تمييز العدد المركَّبِ، وهو من " أحد عشر " إلى " تِسْعَة عَشَرَ " مفردٌ منصوبٌ وهذا - كما رأيت - جمع، وقد جعله الزمخشريُّ تمييزاً له معتذراً عنه، فقال: فإن قلت: مُمَيِّزٌ ما عدا العشرة مفردٌ، فما وجهُ مجيئه جمعاً؟ وهلاَّ قيل: اثني عشر سِبْطاً!؟

قلتُ لو قيل ذلك، لم يكن تحقيقاً؛ لأن المُرادَ وقطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عشْرَةَ قبيلة، وكلُّ قبيلة أسباط لا سِبْط، فوضع " أسْبَاطاً " موضع " قبيلة "؛ ونظيره قوله: [الرجز]
2597 - بَيْنَ رِمَاحَيْ مَالِكٍ ونَهْشَلِ   
قال أبُو حيان: وما ذهب إليه من أنَّ كلَّ قبيلةٍ أسباط خلافُ ما ذكره النَّاسُ، ذكروا أن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب. وقالوا: الأسْبَاطُ جمع وهم الفرق، والأسباطُ في ولد إسحاق كالقبائل في ولد إسماعيل، ويكون على زعمه قوله تعالى:وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ } [البقرة: 136] معناه: والقبيلةُ، وقوله: " وهو نظير قوله: بين رماحي مالكٍ ونهشَلِ " ليس بنظيره، لأنَّ هذا من باب تثنية الجمع، وهو لا يجوزُ إلا في ضرورةٍ، وكأنَّهُ يشيرُ إلى أنه لوْ لمْ يُلْحَظْ في الجمع كونُه أُريد به نوعٌ من الرِّمَاحِ لم تَصِحَّ التثنية، كذلك هنا لُحِظَ في " الأسْبَاط " - وإن كان جمعاً - معنى القبيلة فمُيِّزَ به كَما يُمَيَّزُ بالفرد.

وقال الحُوفِيُّ: يجوز أن يكون على الحذفِ، والتقديرُ: اثنتي عشرة فرقةً أسبَاطاً ويكون " أسْبَاطاً " نعتاً لـ " فرقة " ، ثم حذف الموصوفُ، وأقيمت الصِّفةُ مقامه و " أمَماً " نعتٌ لأسباط، وأنَّثَ العدد، وهو واقعٌ على الأسباطِ وهو مذكَّرٌ، وهو بمعنى فرقة أو أمة كما قال: [الوافر]
2598 - ثَلاثَةُ أنْفُسٍ..................   ...............................
يعني: رجلاً، وقال: [الطويل]
2599 -............. عَشْرُ أبْطُنٍ   ............................
بالنَّظَرِ إلى القبيلةِ، ونظيرُ وصف التمييزِ المقرر بالجمعِ مراعاةً للمعنى قول الشَّاعر: [الكامل]
2600 - فِيهَا اثْنَتَانِ وأرْبَعُونَ حَلُوبَةً   سُوداً كَخَافِيَةِ الغُرابِ الأسْحمِ
فوصف " حَلُوبَةً " وهي مفردة لفظاً بـ " سُوداً " وهو جمع مراعاةً لمعناها، إذ المرادُ الجمع.

السابقالتالي
2 3 4