الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ }

قوله تعالى: { وَلَمَّا سُقِطَ فَيۤ أَيْدِيهِمْ } الجارُّ قائم مقام الفاعل.

وقيل القائمُ مقامه ضميرُ المصدر الذي هو السُّقُوط أي سُقِط السقوط في أيديهم، ونقل أبو حيان عن بعضهم أنه قال: " سقط " تَتضمَّن مَفعُولاً، وهو ههنا المصدر، الذي هو الإسقاطُ كقولك: " ذُهِبَ بزيد ".

قال: وصوابه: وهو هنا ضميرُ المصدر الذي هو السُّقُوط؛ لأنَّ " سقط " ليس مصدرُهُ الإسقاط، ولأن القائمَ مقام الفاعل ضميرُ المصدر، لا المصدر، ونقل الواحديُّ عن الأزهريِّ أن قولهم: " سُقِط في يده "؛ كقوله امرىء القيس: [الطويل]
2575 - دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ في حجراتِهِ   ولكنْ حَدِيثاً ما حَدِيثُ الرَّواحلِ
في كون الفعل مُسْنداً للجار، كأنه قيل: صَاحَ المنتهبُ في حجراته، وكذلك المراد سُقِط في يده، أي: سقط النَّدمُ في يده.

فقوله: أي سقط النَّدم في يده، تَصْرِيحٌ بأنَّ القائمَ مقام الفاعل حرفُ الجَرّ، لا ضمير المصدرِ.

ونقل الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ أنه يقال: سقط في يده وأسقط أيضاً، إلاَّ أنَّ الفرَّاء قال: سَقَطَ - أي الثلاثي - أكثرُ وأجودُ. وهذه اللَّفظةُ تُسْتعمَلُ في التندُّم والتحير. وقد اضْطربَتْ أقوالُ أهل اللُّغَةِ في أصلها.

فقال أبو مروان بن سراج اللُّغوي: " قولُ العرب سُقِط في يده مِمَّا أعْيَانِي معناهُ ". وقال الواحِدي: قَدْ بَانَ مِنْ أقوالِ المُفسِّرينَ وأهْلِ اللُّغةِ أنَّ " سُقِطَ في يدهِ " نَدم، وأنَّه يُسْتعملُ في صفة النّادم فأمَّا القولُ في أصلِهِ وما حَدُّه فلمْ أرِ لأحَدٍ من أئَّمةِ اللُّغةِ شَيْئاً أرْتَضِيه إلاَّ ما ذكر الزَّجَّاجي فإنَّه قال: قوله تعالى: { سُقِطَ فَيۤ أَيْدِيهِمْ } بمعنى نَدمُوا، نظمٌ لم يُسمع قبلَ القرآن، ولمْ تعرفهُ العرب، ولمْ يُوجَدْ ذلك في أشعارِهِم، ويدُلُّ على صحَّةِ ذلك أنَّ شعراء الإسلام لما سَمِعُوا هذا النَّظْمَ واستعملُوهُ في كلامهم خَفِي عليهم وجهُ الاستعمال، لأنَّ عادتَهُم لمْ تَجْرِ بِهِ.

فقال أبو نواس: [الرجز]
2576 - ونَشْوَةٌ سُقِطْتُ مِنْهَا فِي يَدِي   
وأبُو نواس هو العالمُ النِّحْرِيرُ، فأخطأ في استعمال هذا اللفظ، لأنَّ " فُعِلْتُ " لا يُبْنَى إلاَّ من فعل مُتعَدٍّ، و " سقط " لازمٌ، لا يتعدَّى إلاَّ بحرفِ الصفة لا يقالُ: " سُقطت " كما لا يُقال: رُغبتُ وغُضِبت، إنَّما يُقَال: رُغِبَ فيَّ، وغُضِب عَلَيَّ، وذكر أبُو حاتمٍ: " سُقِط فلان في يده " بمعنى ندم. وهذا خطأ مثلُ قول أبي نواس، ولو كان الأمرُ كذلك لكان النَّظْم { وَلَمَّا سُقِطَ فَيۤ أَيْدِيهِمْ } و " سُقِطَ القومُ في أيديهم ".

وقال أبُو عُبيدة: " يُقَالُ لِمَنْ على أمْرٍ وعجز عنه: سُقِطَ في يده ".

وقال الواحِدِيُّ: " وذِكْرُ اليد ههنا لوجهين أحدهما: أنه يُقال للَّذي يَحْصُلَ وإن كان ذلك مِمَّا لا يكُون في اليد: " قَدْ حصلَ في يده مكروهٌ " يشبه ما يحصُلُ في النَّفس وما يحصُل في القلب بِمَا يُرَى بالعينِ، وخُصَّت اليدُ بالذِّكْرِ؛ لأنَّ مباشرةَ الذُّنُوبِ بها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7