الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }

قوله: { يَٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ }. الاصطفاء: استخلاص الصَّفْوَةِ أي: اخترتك واتَّخذتك صفوة على النَّاس.

قال ابنُ عبَّاسٍ: " فَضَّلْتُكَ على النَّاسِ ". قرأ ابن كثير، وأبو عمرو إنِّيَ بفتح الياء، وكذلكأَخِي ٱشْدُدْ } [طه: 31،30].

قوله برسالاتي أي: بسبب.

وقرأ الحرميَّان: برِسالتِي بالإفراد، والمُرادُ به المصدر، أي: بإرْسَالي إيَّاك، ويجوزُ أن يكون على حذفِ مضاف، أي: بتبليغ رسالتي. والرِّسالةُ: نَفْسُ الشَّيء المرسل به إلى الغير.

وقرأ الباقون بالجمع اعتباراً بالأنواعِ، وقد تقدَّم ذلك في المائدةِ والأنعام.

قال القرطبيُّ: ومن جمع على أنه أرسل بضروب من الرسالةِ فاختلف أنواعها، فجمع المصدر لاختلاف أنواعه؛ كقوله:إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } [لقمان: 19] واختلاف المصوتين، ووحَّدَ في قوله: لصوتُ لما أراد به جنساً واحداً من الأصوات.

قوله: " وَبِكلامِي " هي قراءة العامَّةِ، فيحتملُ أن يُرادَ به المصدرُ، أي: بتكليمي إيَّاكَ، كقوله:وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } [النساء: 164] وقوله: [الطويل]
2569 -........................   تُكَلِّمنِي فيها شِفَاءٌ لِمَا بِيَا
أي: بتكليمي إيَّاهَا، ويحتملُ أن يراد به التَّوراة، وما أوحاه إليه من قولهم للقرآن " كلامُ الله " تسميةً للشيء بالمصدر. وقدَّم الرِّسالةَ على الكلام؛ لأنَّها أسبق، أو ليترقَّى إلى الأشرفِ، وكرَّر حرف الجرِّ، تنبيهاً على مغايرة الاصطفاء.

وقرأ الأعمش: " بِرِسَالاتِي وبِكلمِي " جمع " كلمة " وروى عنه المهدويُّ أيضاً " وتكليمي " على وزن التَّفعيل، وهي تؤيِّدُ أنَّ الكلامَ مصدرٌ.

وقرأ أبو رجاء " بِرِسالتِي " بالإفراد و " بِكَلِمي " بالجمع، أي: وبسمَاع كلمي.

فصل

لما طلب موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - الرؤية ومنعه الله تعالى، عدد عليه وجوه نعمه العظيمة، وأمره بشكرها.

كأنَّهُ قال له: إن كنت قد منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النِّعَمِ العظيمة كذا وكذا، فلا يضيقُ صدرُكَ بسبب منع الرُّؤيةِ، وانظر إلى أنواع النِّعمِ التي خَصَصْتُك بها واشتغل بشكرها، والمراد: تسليةُ موسى - عليه الصلاة والسلام - عن منع الرؤية.

فإن قيل: كيف اصطفاهُ على النَّاسِ برسالاته مع أنَّ كثيراً من النَّاسِ قد سَاوَاهُ في الرسالةِ؟ فالجوابُ: أنَّهُ تعالى بيَّن أنَّهُ خصَّهُ من دون النَّاسِ بمجموع الأمرين: وهو الرسالة مع الكلام بغير واسطة، وهذا المجموعُ لم يحصل لغيره، وإنَّما قال: " عَلَى النَّاسِ " ولم يقل: على الخلق؛ لأنَّ الملائكة تسمع كلام اللَّهِ من غير واسطة كما سمعه موسى.

قال القرطبيُّ: " وَدَلَّ هذا على أنَّ قومه لم يشاركه أحدٌ منهم في التَّكليم ولا أحد من السَّبعين ".

قوله: { فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ } أي: اقْنَعْ بما أعطيتك. { وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } ، أي: المظهرين لإحسانِي إليك، وفضلي عليك.

يقال: دَابَّةٌ شكورٌ، إذا ظهر عليها من السِّمن فوق ما تُعْطَى من العَلَف، والشَّاكِرُ متعرض للمزيد؛ كما قال تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5