الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } * { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله: { وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم }. قرأ العامة مسنداً إلى المُعَظِّم، وابْنُ عامر أنْجَاكُمْ مسنداً. إلى ضمير اللَّهِ تعالى جرياً على قوله: " وَهُوَ فَضَّلَكُمْ " ، وقرىء: " نَجَّيْنَاكُمْ " مُشَدّداً، و [قد] تقدَّم الخلافُ في تشديد " يقتلون " وتخفيفها قبل هذه الآية، وتقدَّم في البقرةِ إعراب هذه الآية وتفسيرها.

فصل

والفائدةُ في ذكرها ههنا: أنَّهُ تعالى هو الذي أنعم عليكم بهذه النعمة العظيمة، فكيف يليقُ الاشتغالُ بعبادة غير اللَّهِ تعالى.

قوله: { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ } تقدَّم الخلافُ في " وَعَدْنَا " و " وَاعَدْنَا " وأنَّ الظَّرْفَ بعد مفعول ثاني على حذفِ مضافٍ، ولا يجوزُ أن يكون ظرفاً لِفسادِ المعنى في البقرة فكذا هنا، أي: وَعَدْنَاهُ تمامَ ثلاثين، أو إتيانها، أو مناجاتها.

قوله: { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } في هذا الضمير قولان: أحدهما: أنَّهُ يعود على المُواعدةِ المفهومةِ من وَاعَدْنَا أي: وأتممنا مواعدته بعشر.

الثاني: أنَّهُ يعود على ثلاثين قاله الحوفي.

قال أبُو حيَّان: ولا يظهر؛ لأنَّ الثلاثين لم تكن ناقصةً فتتمَّ بعشر، وحُذِف تمييز عشر لدلالة الكلام عليه أي: وأتْمَمْنَاهَا بعَشْرٍ ليالٍ، وفي مصحف أبي وَتَمَّمْنَاهَا بالتَّضعيف، عَدَّاهُ بالتَّضْعِيفِ.

قوله: { فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ } الفَرْقُ بين الميقاتِ، والوَقْتِ، أن الميقاتَ: ما قُدِّرَ فيه عملٌ من الأعمال، والوقت: وقت الشَّيءِ من غير تقدير عملٍ، أو تقريره.

وفي نصب " أرْبَعِينَ " أربعةُ أوجُهٍ:

أحدها: أنَّهُ حال.

قال الزَّمخشريُّ: " وأربَعِينَ " نصب على الحَالِ: أي تَمَّ بالغاً هذا العدد.

قال أبو حيان فعلى هذا لا يكون الحال " أربعين " ، بل الحالُ هذا المحذوف فينافي قوله.

قال شهابُ الدِّين: لا تنافي فيه، لأنَّ النُّحاةَ لم يزالوا ينسبون الحكم للمعمول الباقي بعد حذفِ عامله المنوب عنه، وله شواهد منها: زيد في الدَّارِ، أو عندك.

فيقولون: الجارُّ والظَّرْفُ خبر، والخبرُ في الحقيقة: إنَّمَا هو المحذوفُ المقدَّرُ العاملُ فيهما، وكذا يقولون: جاء زيدٌ بثيابه، فـ " بثيابه " حال، والحال إنَّمَا هو العاملُ فيه إلى غير ذلك وقدَّرَهُ الفارسي بـ: معدوداً.

قال: كقولك: تَمَّ القوم عشرين رجلاً، أي: معدودين هذا العدد وهو تقديرٌ حسنٌ.

الثاني: أنَّهُ ينتصبُ أرْبَعِينَ على المفعولِ به.

قال أبُو البقاءِ: " لأنَّ معناه بلغ، فهو كقولهم: بَلَغَتْ أرْضُكَ جريبين " أي: بتضمين " تَمَّ " معنى " بَلَغَ ".

الثالث: أنَّهُ منصوبٌ على الظَّرف.

قال ابْنُ عطيَّة: " ويصحُّ أن يكون أربعين ظرفاً من حيث هي عددُ أزمنة " ، وفي هذا نظرٌ، كيف يكون ظرفاً للتَّمام، والتَّمامُ إنما هو بآخر جزء من تلك الأزمنة؟ إلا بتجوَّزٍ بعيد، وهو أنَّ كلَّ جزءٍ من أجزاء الوقت سواء كان أولاً أم آخراً إذا نقص ذهب التَّمامُ.

السابقالتالي
2 3 4 5