الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }

في " لا " هذه وجهان:

أظهرهما: أنها زائدة للتوكيد.

قال الزَّمَخْشَرِيُّ: " لا " في " ألاَّ تسجد " صلة بدليل قوله تعالى:مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } [سورة ص: 75] ومثلهالِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } [الحديد: 29] بمعنى ليعلم، ثم قال: فإن قلت ما فائدةُ زيادتها؟

قلت: توكيد بمعنى الفعل الذي يدخلُ عليه، وتحقيقه كأنه قيل: يستحق علم أهل الكتاب، وما منعك أن تحقق السُّجُود، وتُلزمه نفسك إذا أمرتك؟. وأنْشَدُوا على زيادة " لا " قول الشَّاعر: [الطويل]
2410 - أبَى جُودُهُ لا البُخْلَِ واسْتَعْجَلتْ نَعَمْ   بِهِ مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُودَ نَائِلُهْ
يروى " البُخْل " بالنصب والجر، والنصبُ ظاهرُ الدلالة في زيادتها، تقديره: أبى جُودهُ البخل. وأمَّا رواية الجر فالظَّاهرُ منها عدم الدلالة على زيادتها، ولا حجَّة في هذا البيت على زيادة " لا " في رواية النَّصْبِ، ويتخرَّجُ على وجهين:

أحدهما: أن تكون " لا " مفعولاً بها، و " البخل " بدلٌ منها؛ لأن " لا " تقالُ في المنع فهي مؤدِّية للبُخْلِ.

والثاني: أنَّها مفعول بها أيضاً، و " البُخْل " مفعول من أجْلِهِ، والمعنى: أبي جُودُه لفظ " لا " لأجل البُخْلِ أي: كَرَاهَة البُخْلِ، ويؤيِّدُ عدَمَ الزِّيادةِ روايةُ الجَرِّ.

قال أبُو عمرو بْنُ العلاءِ: " الرِّوايةُ فيه بخفض " البُخْلِ "؛ لأن " لا " تستعمل في البُخْلِ " ، وأنشدُوا أيضاً على زيادتها قول الآخر: [الكامل]
2411 -   أفَعَنْكِ لا بَرْقٌ كأنَّ وَميضَهُ
غَابٌ تَسَنَّمَهُ ضِرَامٌ مُثْقَبُ   
يريد أفعنك بَرْقٌ، وقد خرَّجه أبُو حيَّان على احتمال كَوْنِهَا عاطفة، وحذف المعطوف، والتقديرُ: أفعنك لا عن غَيْرِك.

وكون " لا " فى الآية زَائِدَة هو مَذْهَبُ الكسائي، والفرَّاءِ والزَّجَّاج، وما ذكرناه من كون البُخْلِ بدلاً من " لا " ، و " لا " مفعول بها هو مذهب الزَّجَّاج.

وحكى بعضهم عن يُونُسَ قال: كان أبُو عَمْرو بْنُ العلاء يجرُّ " البخل " ويجعل " لا " مضافة إليه، أراد أبَى جُودُهُ لا التي هي لِلْبُخْل؛ لأنَّ " لا " قد تكُون للبُخْلِ ولِلْجُودِ، فالتي لِلْبُخْلِ معروفَةٌ، والَّتِى للجُودِ أنَّهُ لو قال له: " امْنَعِ الحَقّ " أو " لا تُعْطِ المَسَاكِينَ " فقال: " لا " كان جوداً.

قال شهابُ الدِّين: يعنى فتكون الإضَافَةُ للتَّبْيين، لأن " لا " صارت مشتركة فميَّزَهَا بالإضافةِ، وخصَّصها به، وقد تقدَّمَ طرف جيد من زيادة " لا " في أواخر الفَاتِحَةِ.

وزعم جماعة أن " لا " فى هذه الآية الكريمة غير زائدة لكن اختلفت عبارتهم فى تصحيح معنى ذلك.

فقال بَعضُهم: فى الكلام حَذْف يصحُّ به النَّفْيُ والتقديرُ: ما منعك فأحوجك ألاَّ تسجد؟

وقال بعضهم: المعنى ما ألجأك ألاَّ تسجد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6