الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ }

قوله: { إِمَّآ أَن تُلْقِيَ }: إمَّا هنا للتخيير، ويطلق عليها حرف عطف مجازاً.

قال المفسرُون: " تأدَّبُوا مع موسى - عليه السلام - فكان ذلك سبب إيمانهم ".

قال الفرَّاءُ والكسائِيُّ في باب " أمّا ": و " إمّا " إذا كنت آمراً أو ناهياً أو مخبراً فهي مفتوحة، وإذا كنت مشترطاً أو شاكّاً أو مخيراً فهي مكسورةٌ، تقول في المفتوحة: إمّا اللَّه فأعْبُدْه، وأما الخمرُ فلا تَشْرَبها وأما زيد فقد خَرَجَ، فإن كنت مشترطاً فتقول: إمّا تعطينَّ زيداً فإنه يشكرك قال تعالى:فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم } [الأنفال: 57]، وتقولُ في الشَّكِّ: لا أدري من قام إما زيد وإما عمرو، وتقولُ في التَّخْيير: لي في الكوفة دارٌ إما أن أسْكُنَهَا وإمَّا أن أبيعها.

والفرق بين " إمّا " إذا كانت للشكِّ وبين " أو " أنك إذا قلت: " جاءني زَيْدٌ أو عمرو " فقد يجوزُ أن تكون قد بنيت كلامك على اليقينِ ثم أدركك الشّك فقلت: أو عمرو، فصار الشك فيهما، فأوَّلُ الاسمين في " أو " يجوز أن يحسن السكوت عليه، ثم يعرض الشك فتستدرك بالاسم الآخر؛ ألا ترى أنَّكَ تَقُولُ: قام أخُوكَ وتسكت ثم تشكُّ فتقول: أو أبوك.

وإذا ذكرت " إمّا " فإنما تبني كلامك من أول الأمر على الشك، فلا يجوز أن تقول: ضربت إمَّا عبد الله وتسكت. وفي محل: { أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَكُونَ } ثلاثة أوجه:

أحدها: النصب بفعلٍ مقدَّر أي: افعل إمَّا إلقاءك وإما إلقاءنا، كذا قدّره أبو حيَّان، وفيه نظر؛ لأنَّهُ لا يَفْعَلُ إلقاءهم فينبغي أن يُقَدِّر فعلاً لائقاً بذلك وهو اختر أي: اختر إمَّا إلقاءك وإمّا إلقاءنا.

وقدره مكي وأبو البقاءِ فقالا: " إمَا أن تَفْعَلَ الإلقاء ".

قال مَكِّيٌّ: كقوله: [البسيط]
2542 - قَالُوا: الرُّكُوبَ فَقُلْنَا: تِلْكَ عَادَتُنَا   ............................
بنصب " الركوب " إلا أنَّهُ جعل النَّصْبَ مذهب الكوفيين.

الثاني: الرفع على خبر ابتداءٍ مضمر تقديره: أمْرُك إمَّا إلقاؤك وإما إلقاؤُنا.

الثالث: أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره إمَّا إلقاؤك مبدوءٌ به، وإمَّا إلقاؤنا مبدوءٌ به.

فإن قيل: كيف دخلت " أن " في قوله: { إِمَّآ أَن تُلْقِيَ } وسقطت من قوله:إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 106].

فالجواب قال الفراء: دخول " أن " في " إما " في هذه الآية لأنها في موضع الأمر بالاختيار، وهي في موضع نصب كقولك: اختر ذا أو ذا، كأنَّهُم قالوا: اختر أن تلقي أو نلقي، وفي آية التَّوْبَةِ ليس فيها أمر بالتخيير؛ ألا ترى أنَّ الأمر لا يَصْلُحُ هاهنا فلذلك لم يكن فيه " أن "

وقال غيره: إنَّمَا أتى هنا بـ " أن " المصدرية قبل الفعل بخلاف قوله تعالى:

السابقالتالي
2