الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ }

قوله: { قَالُوۤاْ أَرْجِهْ } في هذه الكلمة هنا وفي " الشُّعراءِ " [36] ست قراءات في المشهور المتواتر، ولا التفات إلى مَنْ أنكر بعضها ولا لمن أنكر على راويها. وضبط ذلك أنْ يقال: ثلاث مع الهَمْزِ وثلاث مع عدمه.

فأمّا الثَّلاثُ التي مع الهمز فأولُها قراءة ابن كثير، وهشام عن ابن عامر: أرجِئْهو بهمزة ساكنة، وهاء متصلة بواو.

والثانية: قراءة أبي عَمْرو: أرْجِئْهُ كما تقدَّم إلا أنَّه لم يصلها بواو.

الثالثة: قراءة ابن ذكوان عن ابن عامر: أرْجِئْهِ بهمزة ساكنة وهاء مكسورة من غير صلة.

وأمّا الثَّلاثُ التي بلا همزة فأوَّلهَا: قراءة الأخوين: " أرْجِهْ " بكسر الجيم وسكون الهاء وصلاً ووقفاً.

الثانية: قراءة الكسائيِّ، وورشٍ عن نافِعٍ: " أرْجِهِي " بهاء متصلة بياء.

الثالثة: قراءة قالون بهاء مكسورة دون ياء.

فأمّا ضمُّ الهاء وكسرها فقد عُرف مما تقدَّم. وأمَّا الهمزُ وعدمه فلغتان مشهورتان يقال: أرْجَأته وأرْجَيْتُه أي: أخَّرته، وقد قرىء قوله تعالى:تُرْجِي مَن تَشَآءُ } [الأحزاب: 51] بالهَمْزِ وعدمه، وهذا كقولم: تَوَضَّأتُ وتَوَضَّيْتُ، وهل هما مادتان أصليتان أم المبدل فرع الهمز؟ احتمالان.

وقد طعن قَوْمٌ على قراءة ابن ذكوان فقال الفارسي: " ضم الهاء مع الهمز لا يجوز [غيره]، ورواية ابن ذُكْوَان عن ابن عامر غلطٌ ".

وقال ابنُ مُجَاهدٍ: " وهذا لا يجوزُ؛ لأنَّ الهَاءَ لا تكسَرُ إلاَّ بعد كسرة أو ياء ساكنة ".

وقال الحُوفِيُّ: " ومن القرَّاء مَنْ يكسر مع الهَمْزِ وليس بجيِّد ".

وقال أبو البقاءِ: " ويُقْرأ بكسر الهاء مع الهمز وهو ضعيف؛ لأنَّ الهمزة حرف صحيحٌ ساكنٌ، فليس قبل الهاء ما يقتضي الكسر ".

وقد اعتذر النَّاس عن هذه القراءة على سبيل التنازل بوجهين:

أحدهما: أن الهَمْزَة ساكنةٌ والسَّاكن حاجزٌ غير حصين، وله شواهدٌ [مذكورة في موضعها]، فكأنَّ الهاء وليت الجيم المكسورة فلذلك كُسِرت.

[الثاني: أن الهمزة كثيراً ما يطرأ عليها التغيير وهي هنا في معرض أن تبدل ياء ساكنة لسكونها بعد كسره فكأنها وليت ياء ساكنة فلذلك كسرت].

وقد اعترض أبُو شَامَةَ على هذين الجوابين بثلاثةِ أوجه:

الأولُ: أنَّ الهمز حاجز معتدٌّ به بإجماع فيأَنبِئْهُم } [البقرة: 33]،وَنَبِّئْهُمْ } [القمر: 28] والحكم واحد في ضمير الجمع والمفرد فيما يرجع إلى الكَسْرِ والضمّ.

الثاني: أنَّهُ كان يلزمه صلة الهاء، إذ هي في حُكْم كأنها قد وليت الجيم.

الثالث: أنَّ الهمز لو قلب يَاءً لكان الوَجْه المختارُ ضمّ الهاء مع صريح الياءِ نظراً إلى أنَّ أصلها همزة، فما الظنُّ بمَنْ يكسر الهاء مع صريح الهَمزةِ. وسيأتي تحقيق ذلك في باب وقفِ حمزةَ وهشام، فضمُّ الهَاء مع الهمزةِ هو الوَجْهُ.

وقد استضعف أبُو البقاءِ قراءة ابن كثير وهشام فإنَّهُ قال: " وَأرْجِئْهُ " يقرأ بالهمزة وضمِّ الهاء من غير إشباع وهو الجيِّد، وبالإشباع وهو ضَعِيفٌ؛ لأنَّ الهاء خفيَّة، فكأنَّ الواو التي بعدها تتلو الهمزة، وهو قريبٌ من الجمع بين السَّاكنين ومن هاهنا ضَعْف قولهم: " عليهي مال " بالإشْبَاع.

السابقالتالي
2 3