الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ }

لما طلب فرعون من موسى إقَامَةِ البَيِّنَةِ على صحَّةِ دعواه، بين الله تعالى أنَّ معجزته كانت قلب العصا ثعباناً، وإظهار اليد البيضاء.

" فإذَا " فجائية وقد تقدَّم أنَّ فيها مذاهبَ ثلاثةً:

ظرف مكان، أو زمان، أو حرف.

وقال ابن عطية هنا: " وإذَا ظرف مكان في هذا الموضع عند المبرِّد من حيثُ كانت خبراً عن جثة، والصَّحيحُ الذي عليه النَّاسُ أنَّهَا ظَرْفُ زَمَانٍ في كلِّ مَوْضِعٍ ".

قال شهابُ الدِّين: " والمشهورُ عند النَّاسِ قول المبردِ، وهو مذهب سيبويه ".

وأمَّا كونها زماناً فهو مَذْهَبُ الرِّيَاشي، وعُزِيَ لسيبويه أيضاً.

وقوله: " من حيث كانت خبراً عن جثَّة " ليست هي هنا خبراً عن جُثَّة، بل الخبرُ عن " هي " لفظ " ثُعْبَان " لا لَفْظ " إذا ".

والثُّعْبَانُ هو ذَكَرُ الحيَّاتِ العظيم، واشتقاقُه من ثَعَبْتُ المكان أي: فجَّرْتُه بالمَاءِ، شُبِّه في انسيابه بانْسِيَابِ الماء، يقال: ثَعَبْتُ الماءَ فجَّرْتُه فانْثَعَبَ. ومنه مَثْعَبُ المطر، وفي الحديث: " جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَجَرْحُهُ يَثْعَبُ دماً ".

فصل

فإن قيل إنَّهُ وصفها هنا بكونها ثُعْبَاناً، وهو العظيمُ الهائل الخلق، وفي موضع آخر يقول:كَأَنَّهَا جَآنٌ } [النمل: 10]، والجان من الحيَّاتِ الخفيف الضّئيل الخلق، فكيف الجَمْعُ بين هاتين الصّفتين؟

وقد أجاب الزَّمَخْشَرِيُّ في غير هذا المكان بجوابين:

أحدهما: أنَّهُ يجمع لها بين الشيئين: أي كبر الجُثَّةِ كالثُّعْبَانِ وبين خفَّةِ الحركة، وسرعة المشي كالجَان.

والثاني: أنَّها في ابتداء أمرها تكون كالجَان، ثمَّ يتعاظمُ ويتزايد خلقها إلى أن تصير ثُعْبَاناً.

وفي وصف الثُّعبانِ بكونه مُبيناً وجوه:

أحدها: أنُّهُ تمييز ذلك عمَّا جاءت به السَّحرَة من التمويه الذي يلتبسُ على من لا يعرف سببه.

وثانيها: أنَّهم شاهدوا كونه حيَّةً، فلم يشتبه الأمر عليهم فيه.

وثالثها: أنَّ الثَّعبان أبان قول موسى عليه السلام عن قول المدعي الكاذب.