الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ }

كان يُقَالُ لمُلُوكِ مصر الفراعِنَة، كما يقال لملوك فارس الأكَاسِرَة، فكأنه قال: يا مَلِكَ [مصر] وكان اسمه قابوس وقيل: الوليدُ بْنُ مُصْعبِ بْنِ الرَّيَّان.

وقوله: { رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } يدلُّ على وجود الإله تعالى، فإنَّهُ يدلُّ على أنَّ للعالم ربٌّ يربيه، وإله يوجده ويخلقه.

قوله: " حَقِيقٌ " أي واجب { عَلَىٰ أَن لاَّ أَقُولَ }.

قرأ العامة " على أنْ " بـ " عَلَى " التي هي حرف جر داخلة على أن وما في حيِّزها.

ونافع قرأ " عليَّ " بـ " عَلَى " التي هي حرف جرّ داخلة على ياء المتكلِّم.

فأما قراءة العامة ففيها سِتَّةٌ أوْجُهٍ، ذكر الزَّمخشريُّ منها أربعة أوجه:

قال رحمه الله: وفي المشهورةِ [إشكال]، ولا يخلو من وجوده:

أحدها: أن تكون مما قلب من الكلامِ كقوله: [الطويل]
2535 -......................   وتَشْقَى الرِّمَاحُ بالضَّيَاطِرَةِ الحُمْرِ
معناه: وتشقى الضياطرة بالرِّمَاحِ.

قال أبُو حيَّان: " وأصحابنا يخصُّون القلب بالضَّرُورةِ، فينبغي أن يُنزَّه القرآن عنه ". وللنَّاس فيه ثلاثةُ مذاهب: الجواز مطلقاً، [المنع مطلقاً]، التَّفصيل: بين أن يفيد معنًى بديعاً فيجوزُ، أو لا فيمتنع، وقد تقدَّم إيضاحه، وسيأتي منه أمثلة أخر في القرآن العظيم.

وعلى هذا الوجه تصيرُ هذه القراءة كَقِرَاءةِ نافع في المعنى، إذ الأصلُ: قول الحق حقيق عليَّ، فقلب اللفظ فصار: " أنَّا حقيق على قول الحقِّ ".

قال: " والثاني: أن ما لزمك فقد لزمته، فلمَّا كان قول الحقِّ حقيقاً عليه كان هو حقيقاً على قول الحقِّ أي لازماً له ".

والثالث: أن يضمَّنَ حقيق معنى حريص كما ضمت " هيجّني " معنى ذكْرني في البيتِ المذكور في كتاب سيبويه وهو قوله: [البسيط]
2536 - إذَا تَغَنَّى الحَمَامُ الوُرْقُ هَيَّجَنِي   وَلَوْ تَسَلَّيْتُ عَنْهَا أمَّ عَمَّارِ
الرابع: أن تكون " عَلَى " بمعنى " الباء " ، وبهذا الوجه قال أبو الحسن والفراء والفارسيُّ، قالوا: إنَّ " على " بمعنى الباء كما أن الباء بمعنى " على " في قوله:وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ } [الأعراف: 86] أي: على كلٍّ.

وقال الفرَّاءُ: العرب تقول: رَمَيْتُ على القوس وبالقوس وجئتُ على حالٍ حسنة وبحال حسنة، وتؤيده قراءة أبيّ والأعمش " حقيق بأن لا أقول " إلاَّ أنَّ الأخفش قال: " وليس ذلك بالمطَّرد لو قلت: " ذهبتُ على زيْدٍ " تريد: " بزيدٍ " لم يجز " ، وأيضاً فلأن مذهب البصريِّين عدم التجوُّزِ في الحُرُوفِ.

الخامس: - وهو الأوجه والأدخل في نكت القرآن - أن يغرق موسى - عليه الصلاة والسلام - [في وصف نفسه] بالصِّدْق في ذلك المقام لا سيما وقد رُوِيَ أنَّ فرعون - لعنه الله - لمَّا قال موسى: إنِّي رسول من رب العالمين قال له: كذبت فيقول: أنا حقيقٌ على قول الحقِّ أي: واجب عليَّ قول الحقِّ أن أكون أنا قائله والقائم به، ولا يَرْضى إلاَّ بمثلي ناطقاً به.

السابقالتالي
2 3