الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ }

قوله تعالى: { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ }.

قال الزَّمَخْشَرِيُّ: كقوله:وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً } [هود: 72] في كونه مبتدأ وخبراً وحالاً يعني أن " تِلْكَ " مبتدأ مشارٌ بها إلى ما بعدها، و " القُرَى " خبرها، و " نَقُصُّ " حال أي قاصِّينَ كقوله:فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً } [النمل: 52].

قال الزمخشريُّ: فإن قلت: ما معنى " تِلْكَ القُرَى " حتى يكون كلاماً مفيداً؟

قلت: هو مفيدٌ ولكن بالصِّفةِ في قولك: " هو الرَّجُلُ الكريم " يعني أنَّ الحال هنا لازمه ليفيد التَّركيب كما تلزم الصِّفةِ في قولك: " هو الرَّجُلُ الكريمُ " ألا ترى أنَّكَ لو اقتصرت على " هو الرَّجُلُ " لم يكن مفيداً، ويجوزُ أن تكون " القُرَى " صفة لتلك، و " نقصُّ " الخبر، ويجوز أن يكون " نقصُّ " خبراً بعد خبر.

و " نَقُصُّ " يجوز أن يكون على حاله من الاستقبال أي: قد قصصنا عليك من أبْنَائِهَا ونحن نَقُصُّ عليك أيضاً بعض أبنائها [ويجوز أن يكون عبر به عن الماضي، أي: قد قَصَصْنَا عليك من أبنائها] وأُشير بالبُعْدِ تنبيهاً على بعد هلاكها وتقادمه عن زمن الإخبار فهو من الغيب، وأراد القصص المتقدمة.

وفي قوله: " القُرَى " بـ " أل " تعظيم كقوله تعالى:ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } [البقرة: 22]، وقول الرسول - عليه الصلاة والسلام: " أوْلَئِكَ المَلأُ مِنْ قُريشٍ " ، وقول أمية: [البسيط]
2534 - تِلْكَ المَكَارِمُ لا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ   شِيبا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أبْوَالاً
و " مِنْ " للتبعيض كما تقدَّم؛ لأنَّهُ إنَّما قصَّ عليه - عليه الصلاة والسلام - ما فيه عظةٌ وانزجارٌ دون غيرهما، وإنَّما قصّ أنباء أهل القرى؛ لأنَّهم اغتروا بطول الإمهال مع كثرة النِّعم فتوهموا أنَّهُم على الحقِّ، فذكرها الله - تعالى - لقوم محمد - عليه الصلاة والسلام - ليحترزوا عن مثل تلك الأعمال، ثم قال: { وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ }.

قوله: { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ } الظَّاهِرُ أنَّ الضَّمائرَ عائدة على أهل القرى.

وقال يمان بن رئاب: إنَّ الضميرين الأوَّلين لأهل القرى، والضَّميرُ في " كذَّبُوا " لأسْلافِهم. وكذا جوَّزهُ ابن عطية أيضاً أي: " فما كان الأبناء ليؤمِنُوا بما كذَّب به الآباء " ، وقد تقدَّم الكلامُ على لام الجُحُودِ، وأنَّ نفي الفِعْلِ معها أبْلَغُ.

و " ما " موصولة اسميَّة، وعائدها مَحْذُوفٌ؛ لأنَّه مَنصوبٌ متَّصل أي: بما كذبوه [ولا يجوز أن يقدر به وإن كان الموصول مجروراً بالباء أيضاً لاختلاف المتعلق، وقال هنا " بما كذبوا " ] فلم يذكر متعلق التكذيب، وفي " يونس " ذكره فقال:بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ } [يونس: 74]، والفرق أنَّهُ لمَّا حذفه في قوله:

السابقالتالي
2