الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَاقَّةُ } * { مَا ٱلْحَآقَّةُ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } * { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ } * { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } * { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } * { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } * { فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ }

قوله تعالى: { ٱلْحَاقَّةُ مَا ٱلْحَآقَّةُ }.

" الحاقة " مبتدأ، و " ما " مبتدأ ثانٍ، و " الحاقة " خبره، والجملة خبر الأول؛ لأن معناها " ما هي " واللفظُ استفهام، ومعناها التفخيم والتعظيم لشأنها.

قال ابن الخطيب: وُضِعَ الظاهرُ موضع المضمرِ؛ لأنه أهولُ لها، ومثلهٱلْقَارِعَةُ مَا ٱلْقَارِعَةُ } [القارعة: 1، 2] وقد تقدَّم تحريرُ هذا في " الواقعةِ ".

و " الحاقَّة " فيها وجهان:

أحدهما: انه وصف اسم فاعل بمعنى أنها تبدي حقائق الأشياء.

وقيل: إن الأمر يحق فيها فهي من باب " ليل نائم، ونهار صائم " قاله الطبري.

وقيل: سميت حاقة؛ لأنها تكون من غير شكٍّ لأنها حقَّت فلا كاذبة لها.

وقيل: سميت القيامة بذلك؛ لأنها أحقت لأقوامٍ الجنَّة، وأحقَّت لأقوامٍ النَّار.

وقيل: من حق الشيء: ثبت فهي ثابتة كائنة.

وقيل: لأنها تحق كل محاق في دين الله أي: تغلبه، من حاققته، فحققته أحقه أي: غلبته.

وفي " الصحاح ": وحاقه، أي: خاصمه، وادعى كل واحد منهما الحقَّ، فإذا غلبه قيل: حقه، ويقال: ما له فيه حقٌّ، ولا حقاق أي: خصومة، والتحاق: والتخاصم، والاحتقاق: الاختصام، والحاقَّةُ والحقُّ والحقةُ ثلاثُ لغاتٍ بمعنًى.

وقال الكسائيُّ والمؤرج: الحاقَّةُ: يوم الحقِّ.

والثاني: أنه مصدر كـ " العاقبة " و " العافية ".

قوله " ما الحَاقَّةُ " في موضع نصب على إسقاط الخافض، لأن " أدرى " بالهمزة يتعدى لاثنين، للأول: بنفسه، والثني: بـ " الباء " ، قال تعالى:وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } [يونس: 16]، فلما وقعت جملة الاستفهام معلقة لها كانت في موضع المفعولِ الثاني، ودون الهمزة تتعدى لواحدٍ بـ " الباء " نحو: " دريت بكذا " أو يكون بمعنى " علم " فيتعدّى لاثنين.

فصل في معنى " ما أدراك ".

معنى " ما أدراك " ، أي شيء أعلمك ما ذاك اليوم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان عالماً بالقيامة، ولكن لا علم له بكونها وصفتها، فقيل ذلك تفخيماً لشأنها، كأنك لست تعلمُها، ولم تعاينها.

وقال يحيى بن سلام: بلغني أنَّ كل شيء في القرآن " ومَا أدْراكَ " فقد أدراه وعلمه، وكل شيء قال: " ومَا يُدْريكَ " فهو مما لم يعلمهُ.

وقال سفيان بن عيينة: كل شيء قال فيه: " وما أدْراكَ " فإنه أخبر به، وكل شيء قال فيه: " وما يُدريْكَ " ، فإنه لم يخبر به.

قوله: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ }.

" القارعةُ " القيامة، سميت بذلك [لأنها] تقرعُ قلوب العبادِ بالمخافةِ.

وقيل: لأنها تقرع الناس بأهوالها يقال: أصابتهم قوارعُ الدهرِ، أي: أهواله وشدائده وقوارضُ لسانه؛ جمع قارضة، وهي الكلمة المؤذيةُ، وقوارعُ القرآن: الآيات التي يقرؤها الإنسانُ إذا قُرعَ من الجن والإنس نحو آية " الكرسي " كأنَّه يقرع الشيطان.

السابقالتالي
2 3 4 5