الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ } * { وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } * { وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله: { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ }.

قد تقدم مثله في آخر الواقعة، إلا أنه قيل هاهنا: إن " لا " نافية لفعل القسم، وكأنه قيل: لا احتياجَ أن أقسمُ على هذا؛ لأنه حقٌّ ظاهرٌ مستغنٍ عن القسم، ولو قيل به في الواقعة لكان حسناً.

واعلم أنه - تعالى - لما أقام الدلالة على إمكان القيامةِ، ثم على وقوعها، ثم ذكر أحوال السُّعداءِ، وأحوال الأشقياء، ختم الكلام بتعظيم القرآنِ، فقال: { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ }.

وقيل: المراد: أقسم، و " لا " صلةٌ، والمعنى أقسم بالأشياء كلها ما ترون منها وما لا ترون، فعمَّ جميع الأشياء على الشمول؛ لأنها لا تخرجُ عن قسمين: مبْصر وغير مبصر، فقيل: الخالقُ والخلقُ، والدنيا والآخرة، والأجسام والأرواح، والإنس والجنُّ، والنعم الظاهرة، والباطنة.

وإن لم تكن " لا " زائدة، فالتقدير: لا أقسم على أنَّ هذا القرآن قول رسولٍ كريم - يعني " جبريل " ، قاله الحسن والكلبي ومقاتل - لأنه يستغنى عن القسم لوضوحه.

وقال مقاتل: سببُ نزولِ هذه الآية أن الوليد بن المغيرة قال: إنَّ محمداً ساحرٌ.

وقال أبو جهل: شاعر وليس القرآن من قول النبي صلى الله عليه وسلم. وقال عقبة: كاهن، فقال الله تعالى: { فَلاَ أُقْسِمُ } أي: أقسم.

وإن قيل: " لا " نافية للقسم، فجوابه كجواب القسم.

" إنه " يعني القرآن { لقول رسول كريم } يعني جبريل. قاله الحسن والكلبي ومقاتل، لقوله:لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ } [التكوير: 19، 20].

وقال الكلبي أيضاً والقتبي: الرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم لقوله: { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ } ، وليس القرآن من قول الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو من قول الله - عز وجل - ونسب القول إلى الرسولِ، لأنه تاليه ومبلغه والعامل به، كقولنا: هذا قول مالك.

فإن قيل: كيف يكونُ كلاماً لله تعالى، ولجبريل، ولمحمد عليهما الصلاة والسلام؟

فالجواب: أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسةٍ، فالله سبحانه أظهره في اللوح المحفوظ، وجبريلُ بلغه لمحمدٍ - عليهما الصلاة والسلام - ومحمد صلى الله عليه وسلم بلغه للأمة.

قوله: { إِنَّهُ لَقَوْلُ } هو جوابُ القسمِ، وقوله: { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ } معطوف على الجواب، فهو جواب. أقسم على شيئين: أحدهما: مثبت، والآخر: منفي، وهو من البلاغة الرائعة.

قوله: { قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } ، { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }.

انتصب " قليلاً " في الموضعين نعتاً لمصدر، أو زمان محذوف، أي: إيماناً أو زماناً قليلاً، والنَّاصبُ: " يؤمنون " و " تذكرون " و " ما " مزيدةٌ للتوكيدِ.

وقال ابن عطية: ونصب " قليلاً " بفعلٍ مضمرٍ يدل عليه: " تؤمنون " ، و " ما " يحتملُ أن تكون نافية، فينتفى إيمانهم ألبتة، ويحتمل أن تكون مصدرية، وتتصف بالقلة، فهو الإيمان اللغوي؛ لأنهم قد صدقوا بأشياء يسيرةٍ لا تغني عنهم شيئاً، إذ كانوا يصدقون أن الخيرَ والصلةَ والعفافَ الذي يأمرُ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو حقّ وصواب.

السابقالتالي
2 3