الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } * { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } * { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } * { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }

قوله { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } أي: لقضاء ربِّك، والحكم هنا القضاء.

وقيل: اصبر على ما حكم به عليك ربُّك من تبليغ الرسالةِ.

وقال ابنُ بَحْرٍ: فاصبر لنصر ربك.

وقيل: منسوخ بآية السيف { وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } يعني يونس - عليه السلام - أي: لا تكن مثله في الغضب، والضجر، والعجلة.

وقال قتادة: إن الله تعالى يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ويأمره بالصبر، ولا يعجل كما عجل يونس - عليه الصلاة والسلام -. وقد مضى الفرق بين " ذي " و " صاحب " في " يونس ".

قوله: { إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ }.

" إذْ " منصوب بمضاف محذوف، أي: ولا يكن حالك كحاله، أو قصتك كقصته في وقت ندائه، ويدل على المحذوف أن الذوات لا ينصبُّ عليها النهي على أحوالها، وصفاتها.

وقوله: { وَهُوَ مَكْظُومٌ }. جملة حالية من الضمير في " نَادَى ".

والمكظوم: الممتلىء حزناً وغيظاً، ومنه كظم السقاء إذا ملأه.

قال ذو الرمة: [البسيط]
4836 - وأنْتَ مِنْ حُبِّ مَيٍّ مُضْمِرٌ حَزَناً   عَانِي الفُؤادِ قَريحُ القَلْبِ مَكْظُومُ
فصل في دعاء يونس

" إذْ نَادَى " ، أي: حين دعا من بطن الحوتِ، فقال:لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 87].

قال القرطبي: ومعنى { وَهُوَ مَكْظُومٌ } أي: مملوء غمًّا.

وقيل: كرباً، فالأول قول ابن عباس ومجاهد، والثاني: قول عطاء وأبي مالك، قال الماورديُّ: والفرق بينهما أن الغمَّ في القلب، والكرب في الأنفاس.

وقيل: " مَكْظُومٌ " محبوس، والكظم: الحبس ومنه قولهم: كَظَمَ غَيْظَهُ، أي: حبس غضبه، قاله ابن بحر.

وقيل: " إنه المأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس، قاله المُبرِّدُ ".

والمعنى: لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر، والمغاضبة، فتبتلى ببلائه.

قوله: { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ }.

قال ابن الخطيب: لِمَ لَمْ يَقُلْ: تداركته نعمة؟ وأجاب: بأنه إنما حسن تذكير الفعل لفصل الضمير في " تَدَاركَهُ ". ولأن التأنيث غير حقيقي.

وقرأ أبيّ وعبد الله بن عباس: " تَدارَكتْهُ " بتاء التأنيث لأجل اللفظِ.

والحسن وابن هرمز والأعمش: " تَدّارَكهُ " - بتشديد الدال -.

وخرجت على الأصل: تتداركه - بتاءين - مضارعاً، فأدغم، وهو شاذ؛ لأن الساكن الأول غير حرف لين؛ وهي كقراءة البزي { إذْ تَلَّقَّوْنَهُ } [النور: 15]، و { ناراً تَلَّظَّى } [الليل: 14]، وهذا على حكاية الحال، لأن المقصد ماضيه، فإيقاع المضارع هنا للحكاية، كأنه قال: لولا أن كان يقال فيه: تتداركه نعمة.

قوله: { نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ }.

قال الضحاكُ: النعمة هنا: النبوة.

وقال ابن جبيرٍ: عبادته التي سلفت.

وقال ابن زيدٍ: نداؤه بقولهلاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

السابقالتالي
2 3 4